وَأَصْحَابِهِ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ الرُّكُوبُ فِي السَّعْيِ، وَلَا فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، إِلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَعَلَيْهِ إِذْ ذَاكَ دَمٌ. وَإِنْ طَافَ رَاكِبًا بِغَيْرِ عُذْرٍ، أَعَادَ إِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْبَيْتِ، وَإِلَّا أَهْدَى.
وَشَكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ» .
ولم يجىء فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِدَمٍ. وَفَرَّقَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالَ: إِنْ طَافَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرٍ أَجْزَاهُ، أَوْ عَلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ لَمْ يُجْزِهِ. وَكَوْنُ الضَّمِيرِ مُثَنَّى فِي قَوْلِهِ: بِهِمَا، لَا يُدْلِ عَلَى الْبَدَاءَةِ بِالصَّفَا، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ فِي السَّعْيِ أَجْزَأَهُ، وَمَشْرُوعِيَّةُ السَّعْيِ، عَلَى قَوْلِ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ، الْبَدَاءَةُ بِالصَّفَا. فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ، فَمَذْهَبُ مَالِكٍ، وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهُ يُلْغَى ذَلِكَ الشَّوْطُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، لَمْ يَجْزِهِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا: إِنْ لَمْ يُلْغِهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ نَزَّلَهُ بِمَنْزِلَةِ التَّرْتِيبِ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: يَطَّوَّفَ وَأَصْلُهُ يَتَطَوَّفُ، وَفِي الْمَاضِي كَانَ أَصْلُهُ تَطَوَّفَ، ثُمَّ أُدْغِمَ التَّاءُ فِي الطَّاءِ، فَاحْتَاجَ إِلَى اجْتِلَابِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ، لِأَنَّ الْمُدْغَمَ فِي الشَّيْءِ لَا بُدَّ مِنْ تَسْكِينِهِ، فَصَارَ اطَّوَّفَ، وَجَاءَ مُضَارِعُهُ يَطَّوَّفُ، فَانْحَذَفَتْ هَمْزَةُ الْوَصْلِ لِتَحْصِينِ الْحَرْفِ الْمُدْغَمِ بِحَرْفِ الْمُضَارَعَةِ. وَقَرَأَ أَبُو حَمْزَةَ: أَنْ يَطُوفَ بِهِمَا، مَنْ طَافَ يَطُوفُ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ ظَاهِرَةٌ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو السمال: يُطَافُ بِهِمَا، وَأَصْلُهُ: يَطْتَوِفُ، يَفْتَعِلُ، وَمَاضِيهِ: اطْتَوَفَ افْتَعَلَ، تَحَرَّكَتِ الْوَاوُ، وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا، فَقُلِبَتْ أَلِفًا، وَأُدْغِمَتِ الطَّاءُ فِي التَّاءِ بَعْدَ قَلْبِ التَّاءِ طَاءً، كَمَا قَلَبُوا فِي اطَّلَبَ، فَهُوَ مُطَّلِبٌ، فَصَارَ: اطَّافَ، وَجَاءَ مُضَارِعُهُ: يَطَّافُ، كَمَا جَاءَ يطلب: ومصدر أطوف: اطوّفا، وَمَصْدَرُ اطَّافَ: اطِّيَافًا، عَادَتِ الْوَاوُ إِلَى أَصْلِهَا، لِأَنَّ مُوجِبَ إِعْلَالِهَا قَدْ زَالَ، ثُمَّ قُلِبَتْ يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا، كَمَا قَالُوا: اعتاد اعْتِيَادًا، وَأَنْ يَطَّوَّفَ أَصْلُهُ، فِي أَنْ يَطَّوَّفَ، أَيْ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي الطَّوَافِ بِهِمَا، فَحَذَفَ الْحَرْفَ مَعَ أَنْ، وَحَذْفُهُ قِيَاسٌ مَعَهَا إِذَا لَمْ يُلْبَسْ، وَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، أَمَوْضِعُهَا بَعْدَ الْحَذْفِ جَرٌّ أَمْ نَصْبٌ؟ وَجَوَّزَ بَعْضُ مَنْ لَا يُحْسِنُ عِلْمَ النَّحْوِ أَنْ يَكُونَ: أَنْ يَطَّوَّفَ، فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، عَلَى أَنْ يَكُونَ خَبَرًا أَيْضًا، قَالَ التَّقْدِيرُ: فَلَا جُنَاحَ الطَّوَافُ بِهِمَا، وَأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَالتَّقْدِيرُ: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِي حَالِ تَطَوُّفِهِ بِهِمَا، قَالَ: وَالْعَامِلُ فِي الْحَالِ الْعَامِلُ فِي الْجَرِّ، وَهِيَ حَالٌ مِنَ الْهَاءِ فِي عَلَيْهِ. وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ سَاقِطَانِ، وَلَوْلَا تَسْطِيرُهُمَا فِي بَعْضِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ لَمَا ذَكَرْتُهُمَا.
وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً: التَّطَوُّعُ: مَا تَتَرَغَّبُ بِهِ مِنْ ذَاتِ نَفْسِكَ مِمَّا لَا يَجِبُ عَلَيْكَ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ فِي حديث ضمام: هل عيّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ، أَيْ تَتَبَرَّعَ. هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute