وَلَا يَجُوزُ تَأْوِيلُ كَلَامِ ابْنِ عَطِيَّةَ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ قَالَ: وَجَوَابُ الشَّرْطَيْنِ: إِذَا وَإِنْ مُقَدَّرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ، وَمَا كَانَ مُقَدَّرًا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَلْفُوظُ بِهِ الْمُتَقَدِّمُ، وَهَذَا الْإِعْرَابُ هُوَ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الظَّاهِرُ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مَفْعُولٌ لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ مرفوع بكتب.
وَالزَّمَخْشَرِيُّ يُسَمِّي الْمَفْعُولَ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ فَاعِلًا وَهَذَا اصْطِلَاحُهُ، قَالَ فِي تَفْسِيرِهِ: وَالْوَصِيَّةُ فَاعِلُ كُتِبَ، وَذُكِّرَ فِعْلُهَا لِلْفَاصِلِ، وَلِأَنَّهَا بِمَعْنَى: أَنْ يُوصِيَ، وَلِذَلِكَ ذُكِّرَ الرَّاجِعُ فِي قَوْلِهِ، فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ. اه.
وَنَبَّهْتُ عَلَى اصْطِلَاحِهِ فِي ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ تَسْمِيَةَ هَذَا المفعول الذي لم يسم فَاعِلُهُ فَاعِلًا سَهْوٌ مِنَ النَّاسِخِ، وَأَجَازَ بَعْضُ الْمُعْرِبِينَ أَنْ تَرْتَفِعَ الْوَصِيَّةُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، عَلَى تَقْدِيرِ الْفَاءِ، وَالْخَبَرُ إِمَّا مَحْذُوفٌ، أَيْ: فَعَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ. وَإِمَّا مَنْطُوقٌ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ أَيْ: فَالْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ الِابْتِدَائِيَّةُ جَوَابًا لِمَا تَقَدَّمَ، وَالْمَفْعُولُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ: يكتب، مُضْمَرٌ. أَيِ: الْإِيصَاءُ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عطية في هَذَا الْوَجْهِ: وَيَكُونُ هَذَا الْإِيصَاءُ الْمُقَدَّرُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْوَصِيَّةِ بَعْدُ، هُوَ الْعَامِلُ فِي إِذَا، وَتَرْتَفِعُ الْوَصِيَّةُ بِالِابْتِدَاءِ، وَفِيهِ جَوَابُ الشَّرْطَيْنِ عَلَى نَحْوِ مَا أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ:
مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَحْفَظْهُ وَيَكُونُ رَفْعُهَا بِالِابْتِدَاءِ بِتَقْدِيرِ. فَعَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ، أَوْ بِتَقْدِيرِ الْفَاءِ فَقَطْ كَأَنَّهُ قَالَ: فَالْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ. اه. كَلَامُهُ. وَفِيهِ أَنَّ إِذَا مَعْمُولَةٌ لِلْإِيصَاءِ الْمُقَدَّرِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْوَصِيَّةَ فِيهِ جَوَابُ الشَّرْطَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إِبْدَاءُ تَنَاقُضِ ذَلِكَ، لِأَنَّ إِذَا مِنْ حَيْثُ هِيَ مَعْمُولَةٌ لِلْإِيصَاءِ لَا تَكُونُ شَرْطًا، وَمِنْ حَيْثُ إن الوصية فيه جواب إِذَا يَكُونُ شَرْطًا فَتَنَاقَضَا، لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ شَرْطًا وَغَيْرَ شَرْطٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِيصَاءُ الْمُقَدَّرُ عَامِلًا فِي إِذَا أَيْضًا لِأَنَّكَ إِمَّا أَنْ تُقَدِّرَ هَذَا الْعَامِلَ فِي: إِذَا، لَفْظَ الْإِيصَاءِ بِحَذْفٍ، أَوْ ضَمِيرَ الْإِيصَاءِ: لَا، جائز أن يقدره لَفْظُ الْإِيصَاءِ حُذِفَ، لِأَنَّ الْمَفْعُولَ لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ لَا يَجُوزُ حَذْفُهُ، وَابْنُ عَطِيَّةَ قَدَّرَ لَفْظَ: الْإِيصَاءِ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يُقَدِّرَهُ ضَمِيرَ الْإِيصَاءِ، لِأَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِضَمِيرِ الْمَصْدَرِ لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute