للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاعِلُهُ الْإِيصَاءَ، وَضَمِيرُ الْإِيصَاءِ، وَالْوَالِدَانِ مَعْرُوفَانِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً «١» .

وَالْأَقْرَبِينَ جَمْعُ الْأَقْرَبِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْمَيِّتِ دَخَلَ فِي هَذَا اللَّفْظِ، وَأَقْرَبُ مَا إِلَيْهِ الْوَالِدَانِ، فَصَارَ ذَلِكَ تَعْمِيمًا بَعْدَ تَخْصِيصٍ، فَكَأَنَّهُمَا ذُكِرَا مَرَّتَيْنِ: تَوْكِيدًا وَتَخْصِيصًا عَلَى اتِّصَالِ الْخَيْرِ إِلَيْهِمَا، هَذَا مَدْلُولُ ظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ، وَعِنْدَ الْمُفَسِّرِينَ: الْأَقْرَبُونَ الْأَوْلَادُ، أَوْ مَنْ عَدَا الْأَوْلَادِ، أَوْ جَمِيعُ الْقَرَابَاتِ، أَوْ مَنْ لَا يَرِثُ مِنَ الْأَقَارِبِ. أَقْوَالٌ.

بِالْمَعْرُوفِ أَيْ: لَا يُوصِي بِأَزْيَدَ مِنَ الثُّلُثِ، وَلَا لِلْغَنِيِّ دُونَ الْفَقِيرِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْأَخَلُّ فَالْأَخَلُّ، أَيِ: الْأَحْوَجُ فَالْأَحْوَجُ، وَقِيلَ: الَّذِي لَا حَيْفَ فِيهِ، وَقِيلَ: كَانَ هَذَا مَوْكُولًا إِلَى اجْتِهَادِ الْمُوصِي، ثُمَّ بُيِّنَ ذَلِكَ وَقُدِّرَ: «بِالثُّلُثِ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» . وَقِيلَ: بِالْقَصْدِ الَّذِي تَعْرِفُهُ النُّفُوسُ دُونَ إِضْرَارٍ بِالْوَرَثَةِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا قَدْ يُوصُونَ بِالْمَالِ كُلِّهِ، وَقِيلَ:

بِالْمَعْرُوفِ مِنْ ماله غير المجهول.

وهذا الْأَقْوَالُ تَرْجِعُ إِلَى قَدْرِ مَا يُوصَى بِهِ، وَإِلَى تَمْيِيزِ مَنْ يُوصِي لَهُ، وَقَدْ لَخَّصَ ذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَفَسَّرَهُ بِالْعَدْلِ، وَهُوَ أَنْ لَا يُوصِيَ لِلْغَنِيِّ وَيَدَعَ الْفَقِيرَ، وَلَا يَتَجَاوَزَ الثُّلُثَ، وَتَعَلَّقَ بِالْمَعْرُوفِ بِقَوْلِهِ: الْوَصِيَّةُ، أَوْ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ: كَائِنَةٌ بِالْمَعْرُوفِ، فَيَكُونُ بِالْمَعْرُوفِ حَالًا مِنَ الْوَصِيَّةِ.

حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ انْتَصَبَ: حَقًّا، عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ، أَيْ: حَقَّ ذَلِكَ حَقًّا، قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، وَالزَّمَخْشَرِيُّ. وَهَذَا تَأْبَاهُ الْقَوَاعِدُ النَّحْوِيَّةُ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ: عَلَى الْمُتَّقِينَ إِذَنْ يَتَعَلَّقُ عَلَى بِ: حَقًّا، أَوْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لَهُ، وَكِلَا التَّقْدِيرَيْنِ يُخْرِجُهُ عَنِ التَّأْكِيدِ، أَمَّا تَعَلُّقُهُ بِهِ فَلِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمُؤَكَّدَ لَا يَعْمَلُ إِنَّمَا يَعْمَلُ الْمَصْدَرُ الَّذِي يَنْحَلُّ بِحَرْفٍ مَصْدَرِيٍّ، وَالْفِعْلِ أَوِ الْمَصْدَرُ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ مِنَ اللَّفْظِ بِالْفِعْلِ وَذَلِكَ مُطَّرِدٌ فِي الْأَمْرِ وَالِاسْتِفْهَامِ، عَلَى خِلَافٍ فِي هَذَا الْأَخِيرِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ، وَأَمَّا جَعْلُهُ صفة:

لحقا أَيْ: حَقًّا كَائِنًا عَلَى الْمُتَّقِينَ، فَذَلِكَ يُخْرِجُهُ عَنِ التَّأْكِيدِ، لِأَنَّهُ إِذْ ذَاكَ يَتَخَصَّصُ بِالصِّفَةِ، وَجَوَّزَ الْمُعْرِبُونَ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، إِمَّا لِمَصْدَرٍ مِنْ: كتب عليكم،


(١) سورة البقرة: ٢/ ٨٣، وسورة النساء: ٤/ ٣٦، وسورة الأنعام: ٦/ ١٥١ وسورة الإسراء: ١٧/ ٢٣ والآية المقصودة هنا هي الأولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>