للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَحِيمٌ بِهِ. وَقِيلَ: يُرَادُ بِالْخَوْفِ هُنَا: الْعِلْمُ، أَيْ: فَمَنْ عَلِمَ، وَخَرَجَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:

إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ «١» .

وَقَوْلُ أَبِي مِحْجَنٍ.

أَخَافُ إِذَا مَا مِتُّ أَنْ لَا أَذُوقَهَا وَالْعُلْقَةُ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالْعِلْمِ حَتَّى أُطْلِقَ عَلَى الْعِلْمِ الْخَوْفُ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخَافُ شَيْئًا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ مِمَّا يُخَافُ مِنْهُ، فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْمُسَبَّبِ عَنِ السَّبَبِ، وَقَالَ فِي (الْمُنْتَخَبِ) : الْخَوْفُ وَالْخَشْيَةُ يُسْتَعْمَلَانِ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخَوْفَ عِبَارَةٌ عَنْ حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ ظَنٍّ مَخْصُوصٍ، وَبَيْنَ الظَّنِّ وَالْعِلْمِ مُشَابَهَةٌ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، فَلِذَلِكَ صَحَّ إِطْلَاقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَعَلَى الْخَوْفِ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَقَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ، مَعْنَى الْآيَةِ: مَنْ خَافَ، أَيْ عَلِمَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي أَنَّ الْمُوصِيَ حَافَ وَجَنَفَ وَتَعَمَّدَ إِذَايَةَ بَعْضِ وَرَثَتِهِ، فَأَصْلَحَ مَا وَقَعَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ مِنَ الِاضْطِرَابِ وَالشِّقَاقِ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، أَيْ:

لَا يَلْحَقُهُ إِثْمُ التَّبْدِيلِ الْمَذْكُورِ قَبْلُ، وَإِنْ كَانَ فِي فِعْلِهِ تَبْدِيلُهَا، وَلَكِنَّهُ تَبْدِيلٌ لِمَصْلَحَةٍ، وَالتَّبْدِيلُ الَّذِي فِيهِ الْإِثْمُ إِنَّمَا هُوَ تَبْدِيلُ الْهَوَى.

وَقَالَ عَطَاءٌ: الْمَعْنَى: فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فِي عَطِيَّتِهِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ حُضُورِ أَجَلِهِ، فَأَعْطَى بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَ وَرَثَتِهِ في ذلك.

وقال طاووس: الْمَعْنَى: فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فِي وَصِيَّتِهِ لِغَيْرِ وَرَثَتِهِ بِمَا يَرْجِعُ بَعْضُهُ عَلَى وَرَثَتِهِ، فَأَصْلَحَ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ أَنْ يُوصِيَ لِلْأَجَانِبِ وَيَتْرُكَ الْأَقَارِبَ، فَيَرُدَّ إِلَى الْأَقَارِبِ، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْإِصْلَاحُ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْمَعْنَى: فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ بِآبَائِهِ وَأَقْرِبَائِهِ جَنَفًا عَلَى بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَأَصْلَحَ بَيْنَ الْآبَاءِ وَالْأَقْرِبَاءِ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى: هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ وَاقِعٍ، وَأَمْرٍ غَيْرِ وَاقِعٍ، فَإِنْ كانت


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>