للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا النَّصْبُ عَلَى الظَّرْفِ فَإِنَّهُ مَحَلٌّ لِلْفِعْلِ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ وَاقِعَةً فِي الْأَيَّامِ، لَكِنَّ مُتَعَلَّقَهَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي الْأَيَّامِ، فَلَوْ قَالَ الإنسان لوالده وَكَانَ وُلِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: سَرَّنِي وِلَادَتُكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، لَمْ يَكُنْ أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مَعْمُولًا لَسَرَّنِي، لِأَنَّ، السُّرُورَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذْ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلسُّرُورِ الَّذِي أَسْنَدَهُ إِلَى نَفْسِهِ، وَأَمَّا النَّصْبُ عَلَى الْمَفْعُولِ اتِّسَاعًا فَإِنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِهِ ظَرْفًا لِكُتِبَ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ خَطَأٌ.

وَالصَّوْمُ: نَفْلٌ وَوَاجِبٌ، وَالْوَاجِبُ مُعَيَّنُ الزَّمَانِ، وَهُوَ: صَوْمُ رَمَضَانَ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ، وَمَا هُوَ فِي الذِّمَّةِ، وَهُوَ: قَضَاءُ رَمَضَانَ، وَالنَّذْرُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ، وَصَوْمُ الْكَفَّارَةِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ، وَاخْتَلَفُوا فِي زَمَانِهَا.

فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ رَمَضَانَ، وَالنَّذْرَ الْمُعَيَّنَ، وَالنَّفْلَ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَبِنِيَّةٍ إِلَى الزَّوَالِ، وَقَضَاءَ رَمَضَانَ، وَصَوْمَ الْكَفَّارَةِ، ولا يَصِحُّ إِلَّا بِنِيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ خَاصَّةً.

وَمَذْهَبُ مَالِكٍ عَلَى الْمَشْهُورِ: أَنَّ الْفَرْضَ وَالنَّفْلَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِنِيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ.

وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَاجِبٌ إِلَّا بِنِيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ.

وَمَذْهَبُ مَالِكٍ: أَنَّ نِيَّةً وَاحِدَةً تَكْفِي عَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.

وَرُوِيَ عَنْ زُفَرَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ صَحِيحًا مُقِيمًا فَأَمْسَكَ فَهُوَ صَائِمٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ.

وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ بِمُطْلَقِ نِيَّةِ الصَّوْمِ أَوْ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَا تَعَيَّنَ زَمَانُهُ يَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ إِلَّا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ، وَالْمُسَافِرُ إِذَا نَوَى وَاجِبًا آخَرَ وَقَعَ عَمَّا نَوَى، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ، فَلَوْ نَوَى هُوَ أَوِ الْمَرِيضُ التَّطَوُّعَ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: يَقَعُ عَنِ الْفَرْضِ، وَعَنْهُ أَيْضًا: يَقَعُ التَّطَوُّعُ، وَإِذَا صَامَ الْمُسَافِرُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ، قَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ النَّفْلُ بِنِيَّةٍ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ:

يَجُوزُ وَلَوْ أَوْجَبَ صَوْمَ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَصَامَ عَنِ التَّطَوُّعِ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَقَعُ عَلَى الْمَنْذُورِ، وَلَوْ صَامَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ فِي وَقْتِ الصَّوْمِ الَّذِي أَوْجَبَهُ وَقَعَ عَنْ مَا نَوَى، وَلَوْ نَوَى التَّطَوُّعَ وَقَضَاءَ رَمَضَانَ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَقَعُ عَنِ الْقَضَاءِ، وَمُحَمَّدٌ قَالَ: عَنِ التَّطَوُّعِ، وَلَوْ نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ وَكَفَّارَةَ الظِّهَارِ كَانَ عَلَى الْقَضَاءِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَقَعُ عَلَى النَّفْلِ، وَلَوْ نَوَى الصَّائِمُ الْفِطْرَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَبْطُلُ صَوْمُهُ.

وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ تُذْكَرُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>