للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالنَّكِرَةِ، وَأَمَّا أَنْ تَقَعَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ قَلِيلٌ جِدًّا، حَتَّى أَنَّ الْكِسَائِيَّ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَهُوَ إِمَامُ نَحْوٍ وَسَامِعُ لُغَةٍ، فَلَا نُحَمِّلُ كِتَابَ اللَّهِ مَا أَثْبَتَهُ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ فِي قَلِيلٍ وَأَنْكَرَ وُقُوعَهُ أَصْلًا الْكِسَائِيُّ، فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَا أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً. وَمَنْ: مِنَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي لَفَظُهَا مُفْرَدٌ مُذَكَّرٌ دَائِمًا، وَتَنْطَلِقُ عَلَيْهِ فُرُوعَ الْمُفْرَدِ وَالْمُذَكَّرِ إِذَا كَانَ مَعْنَاهَا كَذَلِكَ فَتَارَةً يُرَاعَى اللَّفْظُ فَيُفْرَدُ مَا يَعُودُ عَلَى مَنْ مُذَكَّرًا، وَتَارَةً يُرَاعَى الْمَعْنَى فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيُطْلِقُ الْمُعْرِبُونَ ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ كَثِيرٌ ذُكِرَ فِي النَّحْوِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَنْ يَقُولُ آمَنَّا رَجَعَ مِنْ لَفْظِ الْوَاحِدِ إِلَى لَفْظِ الْجَمْعِ بِحَسَبِ لَفْظِ مَنْ وَمَعْنَاهَا وَحَسُنَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاحِدَ قَبْلَ الْجَمْعِ فِي الرُّتْبَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ مُتَكَلِّمٌ مِنْ لَفْظِ جَمْعٍ إِلَى تَوَحُّدٍ، لَوْ قُلْتَ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُونَ وَيَتَكَلَّمُ لَمْ يَجُزْ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مِنْ لَفْظِ جَمْعٍ إِلَى تَوَحُّدٍ خَطَأٌ، بَلْ نَصَّ النَّحْوِيُّونَ عَلَى جَوَازِ الْجُمْلَتَيْنِ، لَكِنَّ الْبَدْءَ بِالْحَمْلِ عَلَى اللَّفْظِ ثُمَّ عَلَى الْمَعْنَى أَوْلَى مِنَ الِابْتِدَاءِ بِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْحَمْلِ عَلَى اللَّفْظِ، وَمِمَّا رَجَعَ فِيهِ إِلَى الْإِفْرَادِ بَعْدَ الْجَمْعِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

لَسْتُ مِمَّنْ يَكُعُّ أَوْ يَسْتَكِينُو ... نَ إِذَا كَافَحَتْهُ خَيْلُ الْأَعَادِي

وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ تَفْصِيلٌ، كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ. وَيَقُولُ: أُفْرِدَ فِيهِ الضَّمِيرُ مُذَكَّرًا عَلَى لَفْظِ مَنْ، وَآمَنَّا: جُمْلَةٌ هِيَ الْمَقُولَةُ، فَهِيَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ وَأَتَى بِلَفْظِ الْجَمْعِ رَعْيًا لِلْمَعْنَى، إِذْ لَوْ رَاعَى لَفَظَ مَنْ قَالَ آمَنْتُ. وَاقْتَصَرُوا مِنْ مُتَعَلَّقِ الْإِيمَانِ عَلَى اللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ حَيْدَةً مِنْهُمْ عَنْ أَنْ يَعْتَرِفُوا بِالْإِيمَانِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ وَإِيهَامًا أَنَّهُمْ مِنْ طَائِفَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ، كَمَا زَعَمَ الزمخشري، يهودا. فَإِيمَانُهُمْ بِاللَّهِ لَيْسَ بِإِيمَانٍ، كَقَوْلِهِمْ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ «١» وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ، كَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَهُ عَلَى خِلَافِ صِفَتِهِ، وَهُمْ لَوْ قَالُوا ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ عَقِيدَتِهِمْ لَكَانَ كُفْرًا، فَكَيْفَ إِذَا قَالُوا ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ النِّفَاقِ خَدِيعَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَاسْتِهْزَاءً بِهِمْ؟ وَفِي تَكْرِيرِ الْبَاءِ دَلِيلٌ عَلَى مَقْصُودِ كُلِّ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبَاءُ بِالْإِيمَانِ. وَالْيَوْمُ الْآخِرُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ: الْوَقْتُ الْمَحْدُودُ مِنَ الْبَعْثِ إِلَى اسْتِقْرَارِ كُلٍّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فِيمَا أُعِدَّ لَهُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ: الْأَبَدُ الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ.

وَسُمِّيَ آخِرًا لِتَأَخُّرِهِ، إِمَّا عَنِ الْأَوْقَاتِ الْمَحْدُودَةِ بِاعْتِبَارِ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ أَوْ عَنِ الأوقات


(١) سورة التوبة: ٩/ ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>