وَقِيلَ: مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْقِتَالِ، وَتَسْمِيَةُ مَنْ لَهُ الْأَهْلِيَّةُ وَالْقُدْرَةُ مُقَاتِلًا مَجَازٌ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ مَجَازًا مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى: الَّذِينَ يُخَالِفُونَكُمْ، فَجَعَلَ المخالفة قتالا، لأنه يؤول إِلَى الْقِتَالِ، فَيَكُونُ أَمْرًا بِقِتَالِ مَنْ خَالَفَ، سَوَاءٌ قَاتَلَ أَمْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَقُدِّمَ الْمَجْرُورُ عَلَى الْمَفْعُولِ الصَّرِيحِ لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقِتَالُ بِسَبَبِ إِظْهَارِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، أَلَا تَرَى الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «١» وَلا تَعْتَدُوا نَهْيٌ عَامٌّ فِي جَمِيعِ مُجَاوَزَةِ كُلِّ حَدِّ، حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَدَخَلَ فِيهِ الِاعْتِدَاءُ فِي الْقِتَالِ بِمَا لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى: وَلَا تَعْتَدُوا فِي قَتْلِ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ، وَالرُّهْبَانِ، وَالْأَطْفَالِ، وَمَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُمْ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمُجَاهِدٌ. وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ:
كَالنَّحَّاسِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْمُفَاعَلَةَ غَالِبًا لَا تَكُونُ إِلَّا مِنِ اثْنَيْنِ، وَالْقِتَالُ لَا يَكُونُ مِنْ هَؤُلَاءِ.
وَلِأَنَّ النَّهْيَ
وَرَدَ فِي ذَلِكَ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قَتْلِ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ، وَعَنِ الْمُثْلَةِ
، وَفِي وِصَايَةِ أَبِي بَكْرٍ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ هَؤُلَاءِ، وَالشَّيْخِ الْفَانِي، وَعَنْ تَخْرِيبِ الْعَامِرِ، وَذَبْحِ الْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ لِغَيْرِ مَأْكَلٍ، وَإِفْسَادِ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ بِحَرْقٍ أَوْ غَيْرِهِ.
وَقِيلَ: وَلَا تَعْتَدُوا فِي قِتَالِ مَنْ بَذَلَ الْجِزْيَةَ. قَالَهُ ابْنُ بَحْرٍ، وَقِيلَ: فِي تَرْكِ الْقِتَالِ، وَقِيلَ: بِالْبُدَاءَةِ وَالْمُفَاجَأَةِ قَبْلَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ. وَقِيلَ: بِالْمُثْلَةِ، وَقِيلَ: بِابْتِدَائِهِمْ فِي الْحَرَمِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَقِيلَ: فِي الْقِتَالِ لِغَيْرِ وَجْهِ اللَّهِ، كَالْحَمِيَّةِ وَكَسْبِ الذِّكْرِ.
إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. هَذَا كَالتَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهُ كَقَوْلِهِ: أَكْرِمْ زَيْدًا إِنَّ عَمْرًا يُكْرِمُهُ. وَحَقِيقَةُ الْمَحَبَّةِ: وَهِيَ مَيْلُ النَّفْسِ إِلَى مَا تُؤْثِرُهُ مُسْتَحِيلَةٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالْبَغْضَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُمَا مَجَازَانِ عَنْ إِرَادَةِ ثَوَابِهِ، وَإِرَادَةِ عِقَابِهِ، أَوْ عَنْ مُتَعَلَّقِ الْإِرَادَةِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. وَذَلِكَ بِخِلَافِ مَحَبَّةِ الْإِنْسَانِ وَبُغْضِهِ، فَإِنَّ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً، وَهِيَ عَدَمُهُمَا، فَلِذَلِكَ لَا يَرِدُ عَلَى نَفْيِ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْمَحَبَّةِ وُجُودُ الْبُغْضِ، بَلْ ذَلِكَ لَازِمٌ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ عَدَمِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى.
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ضَمِيرُ الْمَفْعُولِ عَائِدٌ عَلَى: الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ، وَهَذَا أَمْرٌ بِقَتْلِهِمْ، وَ: حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ، عَامٌّ فِي كُلِّ مَكَانٍ حَلَّ أَوْ حَرُمَ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ عُمُومُ الْأَزْمَانِ،
(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٤٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute