للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ تَقْتُلُونَا نُقَتِّلْكُمْ ... وَإِنْ تقصدوا الذم نقصد

ونظيره: قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ «١» فأوهنوا أَيْ: قُتِلَ مَعَهُمْ أُنَاسٌ من الربيين، فاوهن الْبَاقُونَ، وَالْعَامِلُ فِي عِنْدَ: وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ، وَ: حَتَّى، هُنَا لِلْغَايَةِ، وَفِيهِ مُتَعَلِّقٌ بيقاتلوكم، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى عِنْدَ، تَعَدَّى الْفِعْلُ إِلَى ضَمِيرِ الظَّرْفِ فَاحْتِيجَ فِي الْوُصُولِ إِلَيْهِ إِلَى:

فِي، هَذَا، وَلَمْ يَتَّسِعْ فَتَعَدَّى الْفِعْلُ إِلَى ضَمِيرِ الظَّرْفِ تَعْدِيَتَهُ لِلْمَفْعُولِ بِهِ الصَّرِيحِ، لَا يُقَالُ: إِنَّ الظَّرْفَ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُتَصَرِّفٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى الْفِعْلُ إِلَى ضَمِيرِهِ بِالِاتِّسَاعِ، لِأَنَّ ظَاهِرَهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ، بَلِ الِاتِّسَاعُ جَائِزٌ إِذْ ذَاكَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي جَرِّهِ بغي وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ لَا يَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ؟ فَكَذَلِكَ يُخَالِفُهُ فِي الِاتِّسَاعِ. فَحُكْمُ الضَّمِيرِ إِذْ ذَاكَ لَيْسَ كَحُكْمِ الظَّاهِرِ.

فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ الْغَايَةِ، وَفِيهِ مَحْذُوفٌ. أَيْ: فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فِيهِ فَاقْتُلُوهُمْ فِيهِ، وَدَلَّ عَلَى إِرَادَتِهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ. وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي قَوْلِهِ: فَاقْتُلُوهُمْ، أَنَّهُ أَمْرٌ بِقَتْلِهِمْ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ، وَفِيهِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ بِالْغَلَبَةِ عَلَيْهِمْ، أَيْ: هُمْ مِنَ الْخِذْلَانِ وَعَدَمِ النُّصْرَةِ بِحَيْثُ أُمِرْتُمْ بِقَتْلِهِمْ لَا بِقِتَالِهِمْ، فَأَنْتُمْ مُتَمَكِّنُونَ مِنْهُمْ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَّا إِلَى إِيقَاعِ الْقَتْلِ بِهِمْ، إِذَا نَاشَبُوكُمُ الْقِتَالَ لَا إِلَى قِتَالِهِمْ.

كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ الْكَافُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ لِأَنَّهَا خَبَرٌ عَنِ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ خَبَرُ الْكَافِرِينَ.

الْمَعْنَى: جَزَاءُ الْكَافِرِينَ مِثْلُ ذَلِكَ الْجَزَاءِ، وَهُوَ الْقَتْلُ، أَيْ: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ تَعَالَى فَجَزَاؤُهُ الْقَتْلُ، وَفِي إِضَافَةِ الْجَزَاءِ إِلَى الْكَافِرِينَ إِشْعَارٌ بِعِلِّيَةِ الْقَتْلِ.

فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ: عَنِ الْكُفْرِ، وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَلِذَلِكَ عَلَّقَ عَلَيْهِ الْغُفْرَانَ وَالرَّحْمَةَ وَهُمَا لَا يَكُونَانِ مَعَ الْكُفْرِ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ «٢» وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ اللَّفْظِ وَهُوَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ، وَسِيَاقُ الْكَلَامِ إِنَّمَا هُوَ مَعَ الْكُفَّارِ، وَقِيلَ: فَإِنِ انْتَهَوْا عَنِ الْمُقَاتَلَةِ وَالشِّرْكِ، لِتَقَدُّمِهِمَا فِي الْكَلَامِ، وَهُوَ حَسَنٌ، وَقِيلَ: عَنِ الْقِتَالِ دُونَ الْكُفْرِ، وَلَيْسَ الْغُفْرَانُ لَهُمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، بَلِ الْمَعْنَى: فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لَكُمْ رَحِيمٌ بِكُمْ حَيْثُ أَسْقَطَ عَنْكُمْ تَكْلِيفَ قِتَالِهِمْ، وَقِيلَ: الْجَوَابُ مَحْذُوفٌ، أَيْ:

فَاغْفِرُوا لَهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لَكُمْ، وَعَلَى قَوْلِ: إِنَّ الِانْتِهَاءَ عَنِ الْقِتَالِ فَقَطْ، تكون الآية


(١) سورة آل عمران: ٣/ ١٤٦.
(٢) سورة الأنفال: ٨/ ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>