وَقَالَتْ طَائِفَةٌ، مِنْهُمْ مَالِكٌ: الْقِصَاصُ وَقْفٌ عَلَى الْحُكَّامِ فَلَا يَسْتَوْفِيهِ إِلَّا هُمْ.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْحُرُماتُ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ عَلَى الْأَصْلِ، إِذْ هُوَ جَمْعُ حُرْمَةٍ، وَالضَّمُّ فِي الْجَمْعِ اتِّبَاعٌ.
فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ هَذَا مُؤَكِّدٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا: أَهِيَ مَنْسُوخَةٌ أَمْ لَا؟ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَذْهَبِ مَالِكٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَمَا بِمَعْنَاهَا بِمَكَّةَ، وَالْإِسْلَامُ لَمْ يَعِزَّ، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَزَّ دِينُهُ، أُمِرَ الْمُسْلِمُونَ بِرَفْعِ أُمُورِهِمْ إِلَى حُكَّامِهِمْ، وَأُمِرُوا بِقِتَالِ الْكُفَّارِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ مِنَ التَّدْرِيجِ فِي الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ.
وَقَوْلُهُ: فَاعْتَدُوا لَيْسَ أَمْرًا عَلَى التَّحَتُّمِ إِذْ يَجُوزُ الْعَفْوُ، وَسُمِّيَ ذَلِكَ اعْتِدَاءً عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ، وَالْبَاءُ فِي: بِمِثْلِ، مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى: بِعُقُوبَةٍ مِثْلِ جِنَايَةِ اعْتِدَائِهِ، وَقِيلَ: الْبَاءُ زَائِدَةٌ، أَيْ: مِثْلَ اعْتِدَائِهِ، وَهُوَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: اعْتِدَاءً مُمَاثِلًا لِاعْتِدَائِهِ.
وَاتَّقُوا اللَّهَ أَمْرٌ بِتَقْوَى اللَّهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ اتِّقَاؤُهُ بِأَنْ لَا يَتَعَدَّى الْإِنْسَانُ فِي القصاص من إِلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ بِالنُّصْرَةِ وَالتَّمْكِينِ وَالتَّأْيِيدِ، وَجَاءَ بِلَفْظِ: مَعَ، الدَّالَّةِ عَلَى الصُّحْبَةِ وَالْمُلَازَمَةِ حَضًّا عَلَى النَّاسِ بِالتَّقْوَى دَائِمًا إِذْ مَنْ كَانَ اللَّهُ مَعَهُ فَهُوَ الْغَالِبُ الْمُنْتَصِرُ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا جَاءَ
فِي الْحَدِيثِ «ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ» فَأَمْسَكُوا، فَقَالَ:
«ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ»
أَوْ: كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ، وَكَذَلِكَ
قَوْلُهُ لِحَسَّانَ: «اهْجُهُمْ وَرُوحُ الْقُدُسِ مَعَكَ»
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ هَذَا أَمْرٌ بِالْإِنْفَاقِ فِي طَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَكُلُّ مَا كَانَ سَبِيلًا لِلَّهِ وَشَرْعًا لَهُ كَانَ مَأْمُورًا بِالْإِنْفَاقِ فِيهِ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِالْإِنْفَاقِ فِي أَثْمَانِ آلَةِ الْحَرْبِ،
وَقِيلَ: عَلَى الْمُقِلِّينَ مِنَ الْمُجَاهِدِينَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ مِنَ الْأَعْرَابِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: بماذا نتجهز؟ فو الله مَا لَنَا زَادٌ
وَقِيلَ: فِي الْجِهَادِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى: ابْذُلُوا أَنْفُسَكُمْ فِي الْمُجَاهَدَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.