للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّابِعُ: الْقُنُوطُ مِنَ التَّوْبَةِ، قَالَهُ قَوْمٌ.

الثَّامِنُ: السَّفَرُ لِلْجِهَادِ بِغَيْرِ زَادٍ، قَالَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَقَدْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمٌ فَأَدَّاهُمْ إِلَى الِانْقِطَاعِ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ إِلَى كَوْنِهِمْ عَالَةً عَلَى النَّاسِ.

التَّاسِعُ: إِحْبَاطُ الثَّوَابِ إِمَّا بِالْمَنِّ أَوِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، كَقَوْلِهِ: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ «١» .

وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا تَحْتَمِلُ هَذِهِ الْآيَةَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ نُهُوا عن كل ما يؤول بِهِمْ إِلَى الْهَلَاكِ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُفْضٍ إِلَى الْهَلَاكِ، وَهُوَ الْقَتْلُ، وَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ مَوْعُودٌ عَلَيْهِ بِالْجَنَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ المتقرب بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ ردّ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ: أَنْ يُقْتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ يحيى، فَيُقَاتِلُ فَيُقْتَلُ، أَوْ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَيُقَالُ: أَلْقَى بِيَدِهِ فِي كَذَا، أو إلى كَذَا، إِذَا اسْتَسْلَمَ، لِأَنَّ الْمُسْتَسْلِمَ فِي الْقِتَالِ يُلْقِي سِلَاحَهُ بِيَدَيْهِ، وَكَذَا عَلَى كُلِّ عَاجِزٍ فِي أَيِّ فِعْلٍ كَانَ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: وَاللَّهِ إِنَّ إِلْقَاءَنَا بِأَيْدِينَا لِلْمَوْتِ لَعَجْزٌ.

وَأَلْقَى يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ «٢» وَقَالَ الشَّاعِرُ:

حَتَّى إِذَا أَلْقَتْ يَدًا فِي كَافِرٍ ... وَأَجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلَامُهَا

وَجَاءَ مُسْتَعْمَلًا بِالْبَاءِ لهذه الْآيَةِ، وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَأَلْقَى بِكَفَّيْهِ الْفَتِيُّ اسْتِكَانَةً ... مِنَ الْجُوعِ وَهْنًا مَا يُمِرُّ وَمَا يُحْلِي

وَإِذَا كَانَ أَلْقَى عَلَى هَذَيْنِ الِاسْتِعْمَالَيْنِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَقَوْمٌ: الْبَاءُ زَائِدَةٌ، التَّقْدِيرُ:

وَلَا تُلْقُوا أَيْدِيَكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَيَكُونُ عَبَّرَ بِالْيَدِ عَنِ النَّفْسِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَلَا تُلْقُوا أَنْفُسَكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ. وَقَدْ زِيدَتِ الْبَاءُ فِي الْمَفْعُولِ كَقَوْلِهِ.

سُودُ الْمَحَاجِرِ لَا يَقْرَأْنَ بِالسُّوَرِ أَيْ: لَا يَقْرَأْنَ السُّوَرَ، إِلَّا أَنَّ زِيَادَةَ الْبَاءِ فِي الْمَفْعُولِ لَا يَنْقَاسُ، وَقِيلَ: مَفْعُولُ أَلْقَى مَحْذُوفٌ، التَّقْدِيرُ: وَلَا تُلْقُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَتَتَعَلَّقُ الْبَاءُ بتلقوا، أَوْ تَكُونُ الْبَاءُ لِلسَّبَبِ، كَمَا تَقُولُ: لَا تُفْسِدُ حَالَكَ بِرَأْيِكَ.


(١) سورة محمد (صلى الله عليه وسلم) : ٣٣.
(٢) سورة الشعراء: ٢٦/ ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>