اللَّهَ اللَّهَ لَا تُقَصِّرْ، وَقِيلَ: الصِّيغَةُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهَا الْأَمْرُ، أَيْ: أَكْمِلُوا صَوْمَهَا، فَذَلِكَ فَرْضُهَا.
وَعَدَلَ عَنْ لَفْظِ الْأَمْرِ إِلَى لَفْظِ الْخَبَرِ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِالشَّيْءِ إِذَا كَانَ مُتَأَكِّدًا خِلَافًا لِظَاهِرِ دُخُولِ الْمُكَلَّفِ بِهِ فِي الْوُجُودِ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْخَبَرِ الَّذِي وَقَعَ وَاسْتَقَرَّ.
وَبِهَذِهِ الْفَوَائِدِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا رُدَّ عَلَى الْمُلْحِدِينَ فِي طَعْنِهِمْ بِأَنَّ الْمَعْلُومَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الثَّلَاثَةَ وَالسَّبْعَةَ عَشَرَةٌ، فَهُوَ إِيضَاحٌ لِلْوَاضِحَاتِ، وَبِأَنَّ وَصْفَ الْعَشَرَةِ بِالْكَمَالِ يُوهِمُ وُجُودَ عَشَرَةٍ نَاقِصَةٍ، وَذَلِكَ مُحَالٌ.
وَالْكَمَالُ وَصْفٌ نِسْبِيٌّ لَا يَخْتَصُّ بِالْعَدَدِيَّةِ. كَمَا زَعَمُوا لَعَنَهُمُ اللَّهُ:
وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا ... وَآفَتُهُ مِنَ الْفَهْمِ السَّقِيمِ
ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ تَقَدَّمَ ذِكْرُ التَّمَتُّعِ، وَذِكْرُ مَا يَلْزَمُهُ، وَهُوَ: الْهَدْيُ، وَذِكْرُ بَدَلِهُ: وَهُوَ الصَّوْمُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، فَقِيلَ:
الْمُتَمَتِّعُ وَمَا يَلْزَمُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، فَلَا مُتْعَةَ، وَلَا قِرَانَ لِحَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَنْ تَمَتَّعَ مِنْهُمْ أَوْ قَرَنَ كَانَ عَلَيْهِ دَمُ جِنَايَةٍ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ، وَالْقَارِنُ وَالْمُتَمَتِّعُ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ دَمُهُمَا دَمُ نُسُكٍ يَأْكُلَانِ مِنْهُ، وَقِيلَ: مَا يَلْزَمُ الْمُتَمَتِّعَ وَهُوَ: الْهَدْيُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لَا يُوجِبُ عَلَى حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا الْهَدْيُ، وَبَدَلُهُ عَلَى الْأُفُقِيِّ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الْمَكِّيِّ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْمُتْعَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمْ لَا، وَالْأَظْهَرُ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ أَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى جَوَازِ التَّمَتُّعِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ فِي التَّرَخُّصِ:
اللَّامُ، وَالْمُنَاسِبَ فِي الْوَاجِبَاتِ عَلَى.
وَإِذَا جَاءَ ذلك: لمن، ولم يجىء: عَلَى مَنْ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ: اللَّامَ، هُنَا بِمَعْنَى:
عَلَى، كَقَوْلِهِ: أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ «١» .
وَحَاضِرُوا الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ: أَهْلُ الْحَرَمِ كُلِّهِ، وَقَالَ مَكْحُولٌ، وَعَطَاءٌ: مَنْ كَانَ دُونَ الْمَوَاقِيتِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَنْ كَانَ عَلَى يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: أَهْلُ مَكَّةَ، وَضَجْنَانَ، وَذِي طُوًى، وَمَا أَشْبَهَهَا. وَقَالَ قَوْمٌ أَهْلُ الْمَوَاقِيتِ فَمَنْ دُونَهَا إِلَى مَكَّةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ قَوْمٌ: أَهْلُ الْحَرَمِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ عَلَى مَسَافَةٍ تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ قَوْمٌ: أهل
(١) سورة الرعد: ١٣/ ٢٥.