للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَدَّرَ: مِنْهُ، بَعْدَ: وَلَا جِدَالَ، وَيَكُونُ: مِنْهُ، فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ، وَيَحْصُلُ بِهِ الرَّبْطُ كَمَا حَصَلَ فِي قَوْلِهِمُ: السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ أَيْ: مَنَوَانِ مِنْهُ، وَمِنْهُ صِفَةٌ لِلْمَنَوَيْنِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُقَدَّرَ بَعْدَ الْحَجِّ، وَتَقْدِيرُهُ: فِي الْحَجِّ منه أوله، أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الرَّبْطُ.

وَلِلْكُوفِيِّينَ تَخْرِيجٌ فِي مِثْلِ هَذَا، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ عِوَضًا مِنَ الضَّمِيرِ، فَعَلَى مَذْهَبِهِمْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ فِي قَوْلِهِ: فِي الْحَجِّ، فِي حَجِّهِ، فَنَابَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ عَنِ الضَّمِيرِ، وَحَصَلَ بِهَا الرَّبْطُ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَكَرَّرَ فِي الْحَجِّ، فَقَالَ: فِي الْحَجِّ، وَلَمْ يَقُلْ: فِيهِ، جَرْيًا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي التَّأْكِيدِ فِي إِقَامَةِ الْمُظْهَرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

لَا أَرَى الْمَوْتَ يَسْبِقُ الْمَوْتَ شَيْءٌ انْتَهَى كَلَامُهُ، وَهُوَ فِي الْآيَةِ أَحْسَنُ لِبُعْدِهِ مِنَ الْأَوَّلِ، وَلِمَجِيئِهِ فِي جُمْلَةٍ غَيْرِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى، وَلِإِزَالَةِ تَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى: مَنْ، لَا عَلَى: الْحَجِّ، أَيْ: فِي فَارِضِ الْحَجِّ.

وَعَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ النَّهْيُ، يَكُونُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الثَّلَاثَةُ مَنْهِيًّا عَنْهَا فِي الْحَجِّ. أَمَّا الرَّفَثُ فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، خَلَفًا وَسَلَفًا، أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ هُنَا الْجِمَاعُ، وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالْآيَةِ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْجِمَاعَ يُفْسِدُ الْحَجَّ، وَأَنَّ مُقَدِّمَاتِهِ تُوجِبُ الدَّمَ، إِلَّا مَا

رَوَاهُ بَعْضُ الْمَجْهُولِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «لِلْمُحْرِمِ مِنِ امْرَأَتِهِ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْجِمَاعَ» .

وَقَدِ اتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى خِلَافِهِ، وَعَلَى

أَنَّ مَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ بِشَهْوَةٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ

، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَابْنِ جُبَيْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ.

وَذَهَبَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ إِلَى حِلِّ تَقْبِيلِ امرأته ومباشرتها، ويتجنب الوطئ.

وَأَمَّا الْفُسُوقُ وَالْجِدَالُ، وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُمَا فِي غَيْرِ الْحَجِّ، فَإِنَّمَا خُصَّ بِالذِّكْرِ فِي الْحَجِّ تَعْظِيمًا لِحُرْمَةِ الْحَجِّ، وَلِأَنَّ التَّلَبُّسَ بِالْمَعَاصِي فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ مِنَ التَّشْهِيرِ، لِفِعْلِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ، أَفْحَشُ وَأَعْظَمُ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا أَلَا تَرَى إِلَى

قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حَقِّ الصَّائِمِ: «فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ؟»

وَإِلَى قَوْلِهِ وَقَدْ صَرَفَ وَجْهَ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ مُلَاحَظَةِ النِّسَاءِ فِي الْحَجِّ: «إِنَّ هَذَا يَوْمٌ، مَنْ مَلَكَ فِيهِ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ غُفِرَ لَهُ؟»

<<  <  ج: ص:  >  >>