للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَأْتِنِي يَخْرُجْ خَالِدٌ، وَلَا يقدر ضَمِيرًا يَعُودُ عَلَى اسْمِ الشَّرْطِ، لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ الشَّرْطِ إِذَا كَانَ بِالْحَرْفِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ خُلُوُّ الْجُمْلَةِ مِنَ الضَّمِيرِ نَحْوَ: إِنْ تَأْتِنِي يَخْرُجْ خَالِدٌ.

وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنَ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ بِغَيْرِ زَادٍ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ مُتَوَكِّلُونَ بِحَجِّ بَيْتِ اللَّهِ أَفَلَا يُطْعِمُنَا؟ فَيَتَوَصَّلُونَ بِالنَّاسِ، وَرُبَّمَا ظَلَمُوا وَغَصَبُوا، فَأُمِرُوا بِالتَّزَوُّدِ، وَأَنْ لَا يَظْلِمُوا أَوْ يَكُونُوا كَلًّا عَلَى النَّاسِ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِذَا أَحْرَمُوا وَمَعَهُمْ أَزْوِدَةٌ رَمَوْا بِهَا، وَاسْتَأْنَفُوا زَادًا آخَرَ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، وَأُمِرُوا بِالتَّحَفُّظِ بِالزَّادِ وَالتَّزَوُّدِ.

فَعَلَى مَا رُوِيَ مِنْ سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ يَكُونُ أَمْرًا بِالتَّزَوُّدِ فِي الْأَسْفَارِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ مَا قَبْلَ هَذَا الْأَمْرِ وَمَا بَعْدَهُ، أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالتَّزَوُّدِ هُنَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَحْصِيلِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي تَكُونُ لَهُ كَالزَّادِ إِلَى سَفَرِهِ لِلْآخِرَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَبْلَهُ: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَمَعْنَاهُ الْحَثُّ وَالتَّحْرِيضُ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِي الْآخِرَةِ؟ وَبَعْدَهُ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَالتَّقْوَى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ وَالْقُرْآنِ عِبَارَةٌ عَنْ مَا يُتَّقَى بِهِ النَّارُ؟ وَيَكُونُ مَفْعُولُ: تَزَوَّدُوا، مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ، وَتَزَوَّدُوا التَّقْوَى، أَوْ: مِنَ التَّقْوَى، وَلَمَّا حَذَفَ الْمَفْعُولَ أتى بخبر إن ظاهر لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْمَحْذُوفَ هُوَ هَذَا الظَّاهِرُ، وَلَوْ لَمْ يُحْذَفِ الْمَفْعُولُ لَأَتَى بِهِ مُضْمَرًا عَائِدًا عَلَى الْمَفْعُولِ، أَوْ كَانَ يَأْتِي ظَاهِرًا تَفْخِيمًا لِذِكْرِ التَّقْوَى، وَتَعْظِيمًا لِشَأْنِهَا. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي التَّزَوُّدِ لِلْآخِرَةِ:

إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ التُّقَى ... وَلَاقَيْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوَّدَا

نَدِمْتَ عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ كَمِثْلِهِ ... وَأَنَّكَ لَمْ تَرْصُدْ كَمَا كَانَ أَرْصَدَا

وَقَالَ بَعْضُ عَرَبِ الْجَاهِلِيَّةِ:

فَلَوْ كَانَ حَمْدٌ يُخْلِدُ النَّاسَ لَمْ يَمُتْ ... وَلَكِنَّ حَمْدَ النَّاسِ لَيْسَ بِمُخْلِدِ

وَلَكِنَّ مِنْهُ بَاقِيَاتٍ وِرَاثَةً ... فَأَوْرِثْ بَنِيكَ بَعْضَهَا وَتَزَوَّدِ

تَزَوَّدْ إِلَى يَوْمِ الْمَمَاتِ فَإِنَّهُ ... وَإِنْ كَرِهَتْهُ النَّفْسُ آخِرُ مَوْعِدِ

وَصَعِدَ سَعْدُونُ الْمَجْنُونُ تَلًّا فِي مَقْبَرَةٍ، وَقَدِ انْصَرَفَ نَاسٌ مِنْ جِنَازَةٍ فَنَادَاهُمْ:

أَلَا يَا عَسْكَرَ الْأَحْيَاءِ ... هَذَا عَسْكَرُ الْمَوْتَى

أَجَابُوا الدَّعْوَةَ الصُّغْرَى ... وَهُمْ مُنْتَظِرُو الْكُبْرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>