وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً الْحَسَنَةُ: مُطْلَقَةٌ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ سَأَلُوا اللَّهَ فِي الدُّنْيَا الْحَالَةَ الْحَسَنَةَ، وَقَدْ مَثَّلَ الْمُفَسِّرُونَ ذَلِكَ
بِأَنَّهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، قَالَهُ عَلِيٌّ.
أَوِ: الْعَافِيَةُ فِي الصِّحَّةِ وَكَفَافُ الْمَالِ، قَالَهُ قَتَادَةُ. أَوِ: الْعِلْمُ، أَوِ الْعِبَادَةُ، قَالَهُ الْحَسَنُ. أَوِ:
الْمَالُ، قَالَهُ السُّدِّيُّ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَابْنُ زَيْدٍ. أَوِ: الرِّزْقُ الْوَاسِعُ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ. أَوِ: النِّعْمَةُ فِي الدُّنْيَا، قَالَهُ: ابْنُ قُتَيْبَةَ، أَوِ الْقَنَاعَةُ بِالرِّزْقِ، أَوِ: التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ، أَوِ: الْأَوْلَادُ الْأَبْرَارُ، أَوِ:
الثَّبَاتُ عَلَى الْإِيمَانِ، أَوْ: حَلَاوَةُ الطَّاعَةِ، أَوِ: اتِّبَاعُ السُّنَّةِ، أَوْ: ثَنَاءُ الْخَلْقِ، أَوِ: الصحة والأمن والكفاية وَالنُّصْرَةُ عَلَى الْأَعْدَاءِ، أَوِ: الْفَهْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. أَوْ: صُحْبَةُ الصَّالِحِينَ، قَالَهُ جَعْفَرٌ. وَعَنِ الصُّوفِيَّةِ فِي ذَلِكَ مُثُلٌ كَثِيرَةٌ.
وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً مَثَّلُوا حَسَنَةَ الْآخِرَةِ بِأَنَّهَا الْجَنَّةُ، أَوِ الْعَفْوُ وَالْمَغْفِرَةُ وَالسَّلَامَةُ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ وَسُوءِ الْحِسَابِ، أَوِ النِّعْمَةُ، أَوِ الْحُورُ الْعِينُ، أَوْ تَيْسِيرُ الْحِسَابِ، أَوْ مُرَافَقَةُ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ لَذَّةُ الرُّؤْيَةِ، أَوِ الرِّضَا، أَوِ اللِّقَاءُ.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هِيَ الْحَسَنَةُ بِإِجْمَاعٍ.
قِيلَ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْحَسَنَتَانِ هُمَا الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الَّذِي زَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ صَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، وَأَنَّهُ سَأَلَهُ عَمَّا كَانَ يَدْعُو بِهِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ فِي الدُّنْيَا تَعْجِيلَ مَا يُعَاقِبُهُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: «لَا تَسْتَطِيعُهُ» وَقَالَ: «هَلَّا قُلْتَ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا ... » إِلَى آخِرِهِ. فَدَعَا بِهِمَا اللَّهَ تَعَالَى فَشَفَاهُ.
وَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ مَا كَانَ يَدْعُو بِهِ، وَكَانَ يَقُولُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَكَانَ يَأْمُرُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ دُعَاءِ الْمُسْلِمِ فِي الْمَوْقِفِ.
وَأَبُو بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ قَالَهَا فِي الْمَوْسِمِ عَامَ الْفَتْحِ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ عَلِيٌّ، وَالنَّاسُ أَجْمَعُونَ وَأَنَسٌ سُئِلَ الدُّعَاءَ فَدَعَا بِهَا، ثُمَّ سُئِلَ الزِّيَادَةَ فَأَعَادَهَا، ثُمَّ سُئِلَ الزِّيَادَةَ فَقَالَ: مَا تُرِيدُونَ؟ قَدْ سَأَلْتُ اللَّهَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً: الْوَاوُ فِيهَا لِعَطْفِ شَيْئَيْنِ عَلَى شَيْئَيْنِ، فَعَطَفَتْ فِي الْأَخَرَةِ حَسَنَةً، عَلَى: الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَالْحَرْفُ قَدْ يَعْطِفُ شَيْئَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى شَيْئَيْنِ فَأَكْثَرَ، تَقُولُ:
أَعْلَمْتُ زَيْدًا أَخَاكَ مُنْطَلِقًا وَعَمْرًا أَبَاهُ مُقِيمًا، إِلَّا إِنْ نَابَ عَنْ عَامِلَيْنِ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَفِي الْجَوَازِ تَفْصِيلٌ. وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْفَصْلِ بَيْنَ حَرْفِ الْعَطْفِ وَالْمَعْطُوفِ بِالظَّرْفِ وَالْمَجْرُورِ كَمَا ظَنَّ بَعْضُهُمْ، فَأَجَازَ ذَلِكَ مُسْتَدِلًّا بِهِ عَلَى ضِعْفِ مَذْهَبِ الْفَارِسِيِّ فِي أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ