للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَصَفَهَا: بِمَعْلُومَاتٍ، لِعِلْمِهِمْ بِهَا. وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ مَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْحَجَّ فِيهَا فلا يرفت وَلَا يَفْسُقُ وَلَا يُجَادِلُ، فَنَهَاهُ عَنْ مُفْسِدِ الْحَجِّ مِمَّا كَانَ جَائِزًا قَبْلَهُ، وَمَا كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ مُطْلَقًا لِيُسَوِّيَ بَيْنَ التَّحْرِيمَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُؤَقَّتًا، وَالْآخَرُ لَيْسَ بِمُؤَقَّتٍ. ثُمَّ لَمَّا نَهَى عَنْ هَذِهِ الْمُفْسِدَاتِ، أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي فَرْضُ الْحَجِّ مِنْهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ، فَهُوَ تَعَالَى يُثِيبُ عَلَيْهِ. ثُمَّ أَمَرَ تَعَالَى بِالتَّزَوُّدِ لِلدَّارِ الْآخِرَةِ بِأَعْمَالِ الطَّاعَاتِ، وَدَخَلَ فِيهَا مَا هُمْ مُلْتَبِسُونَ بِهِ مِنَ الْحَجِّ، وَأَخْبَرَ أَنَّ خَيْرَ الزَّادِ هُوَ مَا كَانَ وِقَايَةً بَيْنِكَ وَبَيْنَ النَّارِ، ثُمَّ نَادَى ذَوِي الْعُقُولِ، الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْخِطَابِ، وَأَمَرَهُمْ بِاتِّقَاءِ عِقَابِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمَنَاهِي، فَنَاسَبَ أَنْ يَنْتَهُوا عَلَى اتِّقَاءِ عَذَابِ اللَّهِ بِالْمُخَالَفَةِ فِيمَا نَهَى عَنْهُ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحَاجُّ مَشْغُولًا بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ الشَّاقَّةِ، مُلْتَبِسًا بِأَقْوَالِهَا وَأَفْعَالِهَا، كَانَ مِمَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا لَا يُمْزَجُ وَقْتُهَا بِشَيْءٍ غَيْرِ أَفْعَالِهَا، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَى مَنِ ابْتَغَى فِيهَا فَضْلًا بِتِجَارَةٍ، أَوْ إِجَارَةٍ، أو غير ذلك من الْأَعْمَالِ الْمُعِينَةِ عَلَى كُلَفِ الدُّنْيَا، ثُمَّ أَمَرَهُمْ تَعَالَى بِذِكْرِهِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ إِذَا أَفَاضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ، لِيُرْجِعَهُمْ بِذِكْرِهِ إِلَى الِاشْتِغَالِ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ، لِئَلَّا يَسْتَغْرِقَهُمُ التَّعَلُّقُ بِالتِّجَارَاتِ وَالْمَكَاسِبِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالذِّكْرِ عَلَى هِدَايَتِهِ الَّتِي مَنَحَهَا إِيَّاهُمْ، وَقَدْ كَانُوا قَبْلُ فِي ضَلَالٍ، فَاصْطَفَاهُمْ لِلْهِدَايَةِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِأَنْ يُفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ، وَهِيَ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِأَنْ يُفِيضُوا مِنْهَا، وَذَلِكَ الْمَكَانُ هُوَ عَرَفَةُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ أُمِرُوا أَنْ يَكُونُوا تِلْكَ الْإِفَاضَةَ السَّابِقَةَ مِنْ عَرَفَةَ لَا مِنْ غَيْرِهَا، كَمَا ذُكِرَ فِي سَبَبِ النُّزُولِ. وَأَتَى بِثُمَّ لَا لِتَرْتِيبٍ فِي الزَّمَانِ، بَلْ لِلتَّرْتِيبِ فِي الذِّكْرِ، لَا فِي الْوُقُوعِ.

ثُمَّ أَمَرَ بِالِاسْتِغْفَارِ، ثُمَّ أَمَرَ بَعْدَ أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ كَثِيرًا مَا يَذْكُرُ أَبَاهُ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا أَسْلَفَهُ مِنْ كَرِيمِ الْمَآثِرِ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمُ الْغَايَةَ فِي الذِّكْرِ، مَثَّلَ ذِكْرَ اللَّهِ بِذَلِكَ الذِّكْرِ، ثُمَّ أَكَّدَ مَطْلُوبِيَّةَ الْمُبَالَغَةِ فِي الذِّكْرِ بِقَوْلِهِ: أَوْ أَشَدَّ، لِيُفْهَمَ أَنَّ مَا مَثَّلَ بِهِ أَوَّلًا لَيْسَ إِلَّا عَلَى طَرِيقِ ضَرْبِ الْمَثَلِ لَهُمْ وَالْمَقْصُودُ أَنْ لَا يَغْفُلُوا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى طَرْفَةَ عَيْنٍ.

ثُمَّ قَسَّمَ مَقْصِدَ الْحَاجِّ إِلَى دُنْيَوِيٍّ صِرْفٍ، وَإِلَى دُنْيَوِيٍّ وَأُخْرَوِيٍّ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي سُؤَالِهِ إِيَّاهُ وَذَكَرَ أَنَّ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى دُنْيَاهُ فَإِنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى مَجْمُوعِ الصِّنْفَيْنِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ مِمَّا كَسَبَ مِنْ أعماله حَظٌّ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَأَنَّهُ تَعَالَى حِسَابُهُ سَرِيعٌ، فَيُجَازِي العبد بما كسب.

<<  <  ج: ص:  >  >>