للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيُ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى أَشْيَاءَ، إِذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْحُبِّ وَعَدَمِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ غيره، فإنه قد يعرف عَنْهُمَا فَالْمَحَبَّةُ وَمُقَابِلُهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى نَقِيضَانِ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ ضِدَّانِ، وَظَاهِرُ الْفَسَادِ يَعُمُّ كُلَّ فَسَادٍ فِي أَرْضٍ أَوْ مَالٍ أَوْ دِينٍ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ عَطَاءٌ بِقَوْلِهِ: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ عَلَى مَنْعِ شَقِّ الْإِنْسَانِ ثَوْبَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:

الْفَسَادُ هُنَا الْخَرَابُ.

وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ تَحْتَمِلُ أَيْضًا هَذِهِ الْجُمْلَةُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً، وَتَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ دَاخِلَةً فِي الصِّلَةِ، تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي نَحْوِ هَذَا فِي قَوْلِهِ: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ «١» و: ما، الَّذِي أُقِيمَ مَقَامَ الْفَاعِلِ، فَأَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ هُنَا، وَ: أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ، احْتَوَتْ عَلَيْهِ وَأَحَاطَتْ بِهِ، وَصَارَ كَالْمَأْخُوذِ لَهَا كَمَا يَأْخُذُ الشَّيْءَ بِالْيَدِ.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مِنْ قَوْلِكَ أَخَذْتُهُ بِكَذَا إِذَا حَمَلْتَهُ عَلَيْهِ، وَأَلْزَمْتَهُ إِيَّاهُ، أَيْ: حَمَلَتْهُ الْعِزَّةُ الَّتِي فِيهِ، وَحَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ، عَلَى الْإِثْمِ الَّذِي يُنْهَى عَنْهُ، وَأَلْزَمَتْهُ ارْتِكَابَهُ، وَأَنْ لَا يُخَلِّيَ عَنْهُ ضَرَرًا وَلَجَاجًا، أَوْ عَلَى رَدِّ قَوْلِ الْوَاعِظِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

فَالْبَاءُ، عَلَى كَلَامِهِ لِلتَّعْدِيَةِ، كَأَنَّ الْمَعْنَى أَلْزَمَتْهُ الْعِزَّةُ الْإِثْمَ، وَالتَّعْدِيَةُ بِالْبَاءِ بَابُهَا الْفِعْلِ اللَّازِمِ، نَحْوَ: لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ «٢» أَيْ: لَأَذْهَبَ سَمْعَهُمْ، وَنَدَرَتِ التَّعْدِيَةُ بِالْبَاءِ فِي الْمُتَعَدِّي، نَحْوَ: صَكِكْتُ الْحَجَرَ بِالْحَجَرِ، أَيْ أَصْكَكْتُ الْحَجَرَ الْحَجَرِ، بِمَعْنَى جَعَلْتُ أَحَدَهُمَا يَصُكُّ الْآخَرَ، وَيَحْتَمِلُ الْبَاءُ أَنْ تَكُونَ لِلْمُصَاحَبَةِ، أَيْ: أَخَذَتْهُ مَصْحُوبًا بِالْإِثْمِ، أَوْ مَصْحُوبَةً بِالْإِثْمِ، فَيَكُونُ لِلْحَالِ مِنَ الْمَفْعُولِ أَوِ الْفَاعِلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ سَبَبِيَّةً، وَالْمَعْنَى: أَنَّ إِثْمَهُ السَّابِقَ كَانَ سَبَبًا لِأَخْذِ الْعِزَّةِ لَهُ، حَتَّى لَا يَقْبَلَ مِمَّنْ يَأْمُرُهُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، فَتَكُونُ الْبَاءُ هُنَا: كَمِنْ، فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

أَخَذَتْهُ عِزَّةٌ مِنْ جَهْلِهِ ... فَتَوَلَّى مُغْضَبًا فِعْلَ الضَّجِرْ

وَعَلَى أَنْ تَكُونَ: الْبَاءُ، سَبَبِيَّةً فَسَّرَهُ الْحَسَنُ، قَالَ. أَيْ مِنْ أَجْلِ الْإِثْمِ الَّذِي فِي قَلْبِهِ، يَعْنِي الْكُفْرَ.

وَقَدْ فُسِّرَتِ الْعِزَّةُ بِالْقُوَّةِ وَبِالْحَمِيَّةِ وَالْمَنَعَةِ، وَكُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ.

وَفِي قَوْلِهِ: أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ نَوْعٌ مِنَ الْبَدِيعِ يُسَمَّى التَّتْمِيمَ، وهو إرداف الكلام


(١) سورة البقرة: ٢/ ١١.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>