للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخرج الدارمي (٢١٠) وابن وضاح (١) عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنَّه أنكر على الذين كانوا حِلقًا يُسبِّحون بالحصى مائة، فدلَّ هذا على أنَّ البدع تدخل في الوسائل؛ لأنَّ هذا التَّحلُّق والتسبيح بالحصى من الوسائل، ومع هذا أنكره ابن مسعود - رضي الله عنه - وجَعَله مُحدَثًا، والقاعدة في التَّفريق بين الوسائل المحدثة وغيرها أن ينظر إلى المُقْتَضِي والمانع فإذا وُجِدَ المقتضي لفِعل عبادة، ولا مانع يمنع منها، ولم يفعلها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا الصحابة - رضي الله عنهم -، ففعل هذه الوسيلة بدعة؛ لأنَّه لو كان خيرًا لسبقونا إليه، فقد يوجد المقتضي عند الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة - رضي الله عنهم -، ولا يفعلون هذه الوسيلة لمانع، ففعل هذه الوسيلة ليس بدعة، كمثل الأذان في مكبِّر الصوت وحفظ الدروس بالمسجِّلات الصَّوتية وغيرها، وقد يُوجد المقتضي في عهد الصحابة - رضي الله عنهم -، ولا يكون موجودًا في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلا تُعدُّ هذه الوسيلة محدثة وذلك مثل جمع القرآن من الصحابة، فإنَّهم ما جمعوه إلَّا لما خشوا ذهابه بعد مقتل كثير من القراء، أخرجه البخاري (٧١٩١)، فهذا المقتضي ليس موجودًا في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلمَّا لم يوجَد المقْتَضَى في عهدِ الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -، ثم وُجد بعدُ، لم يكن إحداث هذا الفعل بدعة، وقَرَّر هذه القاعدة ابن تيمية (٢)، وهي فَيْصل في التَّفرِيق بين وسائل الدَّعوة، وبيان الفَرْق بين التَّوقيفي منها وغير التَّوقيفي، ذكر هذا كثيرًا الامام الألباني - رحمه الله -.


(١) البدع والحوادث (ص ٣٥).
(٢) اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٩٧ - ٢٠١).

<<  <   >  >>