للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والصواب: أنَّ بينهما فرقًا، وذلك أنَّ العلة ما تقدَّم ذكره، أما الحكمة فهي معنى من معاني الحُكم، لكن ليس الحُكم معلَّقًا بالحكمة، وذلك مثل السَّفر الطَّويل، فإنَّه علَّة لقصر الصلاة، فإذا انتفى السَّفر الطَّويل وجب إتمام الصلاة، وإذا وُجِد السَّفر الطَّويل استُحِبَّ قَصْر الصلاة، فصار القصر يدور مع السفر الطويل وجودًا وعدمًا، بخِلاف المشقة فإنَّها معنى من معاني قصر الصلاة في السَّفر، فهي حكمة، فلو انتفت المشقة في السفر الطويل فإنَّ الصلاة تقصر، ولو وُجِدَت المشقة في الحضر فإنَّ الصَّلاة لا تُقْصر، فإِذن هي حكمة وليست علَّة.

قَوْلُهُ: «ويعمُّ الحكم بعمُوم علَّته».

معنى هذا: أنَّ اللَّفظ قد يكون خاصًّا، ومع ذلك يعمم؛ لأنَّ علَّته تُفيد العموم، ويُسمى هذا بالعموم المعنوي، وذلك مثل: حكم الشريعة على الهِرَّة بأنَّها طاهرة، بعلَّة وهي أنَّها من الطوَّافين علينا والطوافات (١)، هذه العلَّة تُفيد أنَّ كلَّ ما هو غير مأكول اللحم من الطوافين فهو طاهِر، عُمِّم هذا لعموم العِلَّة.

ومن الأمثلة أيضًا: ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - أنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَقْضِيَن حكم بين اثنين وهو غضبان» (٢)، هذا الحكم خاصٌّ بالغضبان من حيثُ الأصل، لكن لعموم العلة، وهو أنَّ الغضبان يكون


(١) أخرجه أبو داود (٧٥)، والترمذي (٩٢)، والنسائي (٦٨)، وابن ماجه (٣٦٧) من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه البخاري (٧١٥٨)، ومسلم (١٧١٧) , واللفظ للبخاري.

<<  <   >  >>