بل قال الغزالي: إنهما خالفا أبا حنيفة في ثلثي مذهبه.
ونقل النووي في كتابه تهذيب الأسماء واللغات عن أبي المعالي الجويني: أن كل ما اختاره المزني أرى أنه تخريج مُلْتَحَقٌ بالمذهب، فإنه لا يخالف أقوال الشافعي، لا كأبي يوسف ومحمد، فإنهما يخالفان أصول صاحبهما.
وأحمد بن حنبل لم يذكره الإمام أبو جعفر الطبري في عداد الفقهاء، وقال: إنما هو من حفاظ الحديث.
وقال ابن خلدون:" وأما أحمد بن حنبل فمُقَلِّده قليل لبعد مذهبه عن الاجتهاد.
وقال: إن الحنفية أهل البحث والنظر، وأما المالكية فليسوا بأهل نظر ".
فكيف يعد ابن كمال باشا الإمام أحمد بن حنبل من طبقة المجتهدين، ولا يكون أبو يوسف، ومحمد، وزفر منها، وليس معنى كون أبي يوسف، ومحمد، وزفر وأمثالهم حنفيين دون مالك، والشافعي، وأحمد، وأمثالهم -: أنهم مُقَلِّدون لأبي حنيفة في الأصول، أو في الفروع، بل معنى ذلك أنهم تعاونوا وتناصروا على نشر مذهبه، وإذاعة علمه، وتتلمذوا له، وأخذوا العلم عنه، وتفقَّهوا عليه، ولازموه ونقلوا مذهبه،
ولم يميزوا مذاهبهم عنه، وقد أفتوا به في بعض الحوادث، وتجردوا لتحقيق أصوله وفروعه، وعينوا أبواب مسائله وفصولها، ومهدوا قواعده بحيث يستفاد منها الأحكام، واستنبطوا من أقواله قوانين صحيحة، وطرائق قويمة، يتعرَّف بها المعاني في تضاعيف الكلام، وبالغوا في بيان مذهبه لمن يتمسك به، لاعتقادهم أنه أعلم وأورع وأحق بالاقتداء به، والأخذ بقوله، وأوثق للمفتي، وأرفق للمستفتي، ولذلك قال مسعر بن كدام:" من جعل أبا حنيفة يينه وبين اللَّه تعالى رجوت أن لا يخاف عليه، ولم يكن
فرط على نفسه في الاحتياط "، وكان مقام مسعر في الفقه مقامًا لا يلحق، شهد له بذلك أهل صناعته خصوصًا مالكًا.
ومن ذلك الوجه امتاز أصحاب أبي حنيفة بأنهم حنفيون، دون ما خالفه كالأئمة الثلاثة وغيرهم، لا لأنهم لم ييلغوا مرتبة الاجتهاد المطلق، بل مع نشرهم مذهب شيخهم، والانتصار له نجدهم نشروا آراءهم بين الخلق أيضًا، واحتجوا لها بالكتاب، والسنة، والقياس، والإجماع، بحيث لو لم يخالطوها بمذهب أبي حنيفة، لكان لكل واحد منهم
مذهب مُنْفَرِد عن مذهب الإمام، مخالفًا له أصولًا وفروعًا في كثير من المواضع.
وإن أراد ابن كمال باشا من الأصول التي قلدوا فيها أبا حنيفة: الأدلة الأربعة من: