وقد انفرد الكرخي عن أبي حنيفة وغيره في: أن العام بعد التخصيص لا يبقى حجة أصلًا، وأن خبر الواحد في حادثة تعم بها البلوى، ومتروك المحاجة به عند الحاجة كل منهما ليس بحجة أصلًا.
وانفرد أبو بكر الرازي المعروف بالجصاص بأن العام الخصوص حقيقة إن كان الباقي جمعًا، وإلا فمجاز، وهذا كله من مسائل الأصول.
ثم إن ابن كمال باشا عد أبا بكر الرازي الجصاص من المقلِّدين الذين لا يقدرون على الاجتهاد أصلًا، وهو تنزيل لأبي بكر الرازي عن محله الرفيع، فإن شأنه في العلم جليل، وباعه ممتد في الفقه، وكعبه عالٍ في الأصول، وقَدَمُه فيها راسخ، ووطأته شديدة، وبطشه قوي في معارك النظر والاستدلال، ومن تتبع تصانيفه كتفسيره المسمى
ب " الأحكام " وغيره علم أنه من كبار الأئمة المجتهدين، قال شمس الأئمة الحلوائي فيه:" هو رجل كبير معروف في العلم، وإنّا نقلده ونأخذ بقوله "، فكيف يجعل ابن كمال باشا شمس الأئمة الحلوائي صاحب هذه المقالة مجتهدًا في المسائل، وأبا بكر الرازي مُقَلِّدًا لا يقدر على الاجتهاد أصلًا، فيقضى أن شمس الأئمة الحلوائي، وهو مجتهد يقلد أبا بكر الرازي، وهو مُقَلِّد، وقد ذكر في الكشف الكبير ما يدل على أنه أفقه من أبي منصور الماتريدي.
وقال قاضيخان في التوكيل بالخصومة:" يجوز للمرأة المخدرة أن توكل، وهي التي لم تخالط الرجال بكرًا كانت، أو ثيبًا، كذا ذكره أبو بكر الرازي، وعامة المشايخ أخذوا بما ذكره أبو بكر الرازي - رحمه الله - ".
وقال في الهداية:" ولو وكلت المرأة المخدرة، قال الرازي: يلزم التوكيل منها، ثم قال: وهذا شيء استحبه المتأخرون".
وقال ابن همام - رحمه الله -: " هو قول الإمام الكبير أبو بكر الجصاص أحمد بن على الرازي، يعني: أما على ظاهر إطلاق الأصل وغيره عن أبي حنيفة - رحمه الله -: أنه لا فرق بين: البكر، والثيب، والمخدرة، والمبرزة، والفتوى على ما اختاروه من ذلك، وحينئذ فتخصيص الرازي، ثم تعميم المتأخرين، ليس إلا لفائدة أنه المبتدي بتفريع ذلك وتبعوه " اهـ من الفتح.
فانظر إلى ابن كمال باشا كيف عَدَّ قاضيخان من المجتهدين في المسائل، وانظر إلى قاضيخان كيف يأخذ هو ومشايخه العظام بقول أبي بكر الرازي، الذي جعله