الدين قاضيخان، والإمام زين الدين العتابي، وغيرهما، وقال: " إنه فاق على أقرانه، بل على شيوخه في الفقه، وأذعنوا له به "، فكيف تُنَزَّل مرتبته عن مرتبة قاضيخان، مع أنه أحق منه بالاجتهاد، وأثبت فيما يقتضيه؟
على أنه قال في الطبقة الخامسة: " إن شأنهم تفضيل بعض الروايات على بعض إلى آخره "، وقال في الطبقة السادسة: " إنهم قادرون على التمييز بين: القوي، والأقوى، والضعيف " إلى آخره فلم يكن فَرقٌ بين شأن الطبقتين في المعنى، كما هو ظاهر واضح.
وبعد ذلك لا ندري بأي شيء علم مقادير هؤلاء الأئمة، وما بينهم من التفاوت، مع أنه لم يكن في عصرهم، بل عمله هذا دل على أنه لم يكن يعرف كثيرًا منهم،
وكان الواجب عليه أن يرجع إلى تراجمهم، وما دَوَّنُوه في كتبهم إن أراد أن يَتَهَجَّمَ عليهم، ويضع لكل واحد من الفقهاء مرتبة أعلى، أو أنزل.
وإن كان الفقهاء في كل عصر إنما يُعْرَفون بالأوصاف الفاضلة أحياءً، وبالآثار
أمواتًا، ولا عبرة بتقدُّم الزمان، ولا بتأخُّره، بل الفقهاء كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها، وفضل اللَّه واسع لا يتقيد بزمان، ولا مكان، ولا بشخص دون شخص، على ما يشير إليه قوله تعالى: (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) .
يريد واللَّه أعلم أن كل آية يأتي بها اللَّه إذا جَزَدَ الناظر نظره إليها قال: هي أكبر الآيات، فإنه لا يتصور أن يكون كل آية أكبر من
الأخرى من كل وجه للتناقض ".
وقد كان ابن كمال باشا مفتيًا في الدولة العثمانية عالماً جليلًا، ولكنه كان كثيرًا ما يشتبه عليه حال الفقهاء، فيجعل الواحد منهم اثنين، والاثنين واحدًا، وئقدم المؤخَّر منهم، ويؤخر المقدَّم، ويَنسب كثيرًا من الكتب إلى غير مصنفيها، والعصمة للَّه وحده ثم لرسوله - صلى الله عليه وسلم - من بعده.
وإنما تعرَّضنا لما قاله ابن كمال باشا على الوجه المتقدم لإحقاق الحق، ومخافة أن يكون ما فعله حدًّا لمَن بعده، فلا يتجاوزونه إلى غيره، فلو نُقِلَ إليهم قولٌ عن كبار العلماء الذين أنزل ابن كمال باشا درجتَهم اغتروا بذلك، ويقولون إنه ليس من طبقة المجتهدين في المسائل، لأنه لم يذكر في طبقات ابن كمال باشا، خصوصًا وقد تبعه مَنْ بعده جماعة كثيرون.
ومن الواضح الجَلِي أن ابن كمال باشا لم يذكر من فقهاء الحنفية في طبقاته إلا النزر