وقد أهلَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالحجِّ مفردًا، ثمَّ أتاه جبريلُ - عليه السلام - فأمرَه أن يُدْخِلَ عليه العمرةَ، فصار قارنًا؛ كما في «صحيح البخاري» (١٥٣٤)، من حديثِ عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الوَادِي المُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ». قال مجدُ الدين أبو السعاداتِ ابنُ الأثيرِ رحمه الله في «شرح مسند الشافعي» (٣/ ٤٢٠): «إن الفسخَ إنما وقع لأنَّ العربَ كانوا يحرِّمون العمرةَ في أشهرِ الحجِّ، فأمرهم بذلك صرفًا لهم عن سُنةِ الجاهليةِ».
وقال أبو ذر رضي الله عنه -كما في «صحيح مسلم» (١٢٢٤) -: «كانت المتعةُ في الحجِّ لأصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم خاصةً». قال البيهقيُّ رحمه الله في «السنن الكبرى» (٥/ ٢٢): «وإنما أراد -واللهُ أعلمُ- فسخَهم الحجَّ بالعمرةِ وهو أنَّ بعضَ أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أهلَّ بالحجِّ ولم يكن معهم هديٌ، فأمرَهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن يجعلوه عمرةً، لينقضن -واللهُ أعلم- بذلك عادتَهم في تحريمِ العمرةِ في أشهرِ الحجِّ». يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما -كما في البخاري (١٥٦٨)، ومسلم (١٢١٨) -: «أهلَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هو وأصحابُه بالحجِّ، وليس مع أحدٍ منهم هديٌ غيرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وطلحةَ، وقَدِمَ عليٌّ من اليمنِ ومعه هديٌ، فقال: أهللْتُ بما أهلَّ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم فأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه أن يجعلوها عمرةً ويطوفوا، ثم يقصِّروا ويحلُّوا؛ إلا من كان معه الهديُ، فقالوا: ننطلقُ إلى منًى وذكرُ أحدِنا يقطُرُ؟! فبلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ». وفي روايةٍ لمسلمٍ: «لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً».