للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأفضلُ في مذهبِ الشافعيِّ رحمه الله الإفرادُ، ويليه التمتُّعُ، ثمَّ القِرانُ، وشرطُ كونِ الإفرادِ أفضلَ منهما أنْ يعتمرَ في تلك السنةِ، فيُحرِمَ أوَّلًا بالحجِّ من ميقاتِه ويفرغَ منه، ثمَّ يخرجَ عن مكةَ إلى أدنى الحِلِّ فيُحرِمَ بالعمرةِ، ويأتيَ بعملِها، فلو أخَّرَ العمرةَ عن سَنَتِهِ فكلٌّ من التمتعِ والقِرانِ أفضلُ من الإفرادِ؛ لأنَّ تأخيرَ العمرةِ عن سَنَةِ الحجِّ مكروهٌ.

تقولُ عائشةُ رضي الله عنها: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالحَجِّ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالحَجِّ» (١).


(١) رواه البخاري (١٤٨٧)، ومسلم (١٢١١)، وقولها: «فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالحَجِّ»، تريدُ أنَّ مَن نسَكَ منهم كان على هذه الوجوهِ الثلاثةِ: التمتُّعِ، والقِرانِ، والإفرادِ، وهي كلُّها مشروعةٌ جائزةٌ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقرَّ عليها جميعًا، ولكنَّ الخلافَ في الأفضلِ.
وقد أهلَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالحجِّ مفردًا، ثمَّ أتاه جبريلُ - عليه السلام - فأمرَه أن يُدْخِلَ عليه العمرةَ، فصار قارنًا؛ كما في «صحيح البخاري» (١٥٣٤)، من حديثِ عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الوَادِي المُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ».
قال مجدُ الدين أبو السعاداتِ ابنُ الأثيرِ رحمه الله في «شرح مسند الشافعي» (٣/ ٤٢٠): «إن الفسخَ إنما وقع لأنَّ العربَ كانوا يحرِّمون العمرةَ في أشهرِ الحجِّ، فأمرهم بذلك صرفًا لهم عن سُنةِ الجاهليةِ».

وقال أبو ذر رضي الله عنه -كما في «صحيح مسلم» (١٢٢٤) -: «كانت المتعةُ في الحجِّ لأصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم خاصةً».
قال البيهقيُّ رحمه الله في «السنن الكبرى» (٥/ ٢٢): «وإنما أراد -واللهُ أعلمُ- فسخَهم الحجَّ بالعمرةِ وهو أنَّ بعضَ أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أهلَّ بالحجِّ ولم يكن معهم هديٌ، فأمرَهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن يجعلوه عمرةً، لينقضن -واللهُ أعلم- بذلك عادتَهم في تحريمِ العمرةِ في أشهرِ الحجِّ».
يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما -كما في البخاري (١٥٦٨)، ومسلم (١٢١٨) -: «أهلَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هو وأصحابُه بالحجِّ، وليس مع أحدٍ منهم هديٌ غيرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وطلحةَ، وقَدِمَ عليٌّ من اليمنِ ومعه هديٌ، فقال: أهللْتُ بما أهلَّ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم فأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه أن يجعلوها عمرةً ويطوفوا، ثم يقصِّروا ويحلُّوا؛ إلا من كان معه الهديُ، فقالوا: ننطلقُ إلى منًى وذكرُ أحدِنا يقطُرُ؟! فبلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ».
وفي روايةٍ لمسلمٍ: «لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً».

<<  <   >  >>