للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلَهُمَا أَنْ يَشْتَرِطَا الْخِيَارَ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ»، وهذا ما يُسمَّى بـ «خيار الشَّرطِ» وهو أنْ يشترطَ أحدُ المتعاقدينَ أنَّ له الخيارَ خلالَ مدَّةٍ معلومةٍ؛ لحديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي الله عنهما أنَّ رجلًا ذكرَ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه يُخْدَعُ في البيوعِ، فقال: «إِذَا بَايَعْتَ، فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ» (١).

وفي روايةٍ: «إِذَا أَنْتَ بَايَعْتَ، فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ، ثمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَإِنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ، وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْهَا عَلَى صَاحِبِهَا» (٢).

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَإِذَا وُجِدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ فَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ»، وهذا ما يُسمَّى بـ «خيارَ العيبِ»، ودليلُه حديثُ أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا؛ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ» (٣).


(١) رواه البخاري (٢٠١١)، ومسلم (١٥٣٣).
(٢) رواه ابن ماجه (٢٣٥٥)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «بَايَعْتَ»؛ أي: بعتَ واشتريتَ، و «لَا خِلَابَةَ»؛ أي: لا غشَّ ولا خداعَ.
(٣) رواه البخاري (٢٠٤١)، ومسلم (١٥١٥)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا تُصَرُّوا»، على وزن «لَا تُزَكُّوا»، من التَّصريةِ، وهي: الجمعُ، ومنه قولُ العربِ: صرَّيت الماءَ في الحوضِ؛ أي: جمعتُه، والمرادُ: لا تجمعوا اللبنَ في ضروعِ البهيمةِ عندَ إرادةِ بيعِها حتى يعظمَ، فيظنُّ المشتري أنَّ كثرةَ لبنِها عادةٌ لها مستمرةٌ، وجوَّز البعضُ: «لَا تَصُرُّوا» بفتح التَّاءِ وضمِّ الصادِ وتشديدِ الراءِ، من الصرِّ؛ بمعنى: الشدِّ والربطِ؛ أي: لا تشُدوا الضُّروعَ وتربطوها لأجلِ ذلك، فمن اشتراها بعد أن فُعِلَ بها التصريةُ، فله أن يختارَ أنفعَ الرأيين له: إن شاء أمسك ورضي بالبيعِ، وإنْ شاء ردَّها وصاعًا من تمرٍ؛ ليكونَ بدلًا عن اللبنِ الذي كان في الضَّرعِ حين اشتراها، وخصَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم التمرَ؛ لأنَّه كان يومئذٍ غالبَ قوتِهم.

<<  <   >  >>