للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كالعينِ المستأجَرةِ فلا يضمنُه إلا بالتَّعدِّي؛ كسائرِ الأماناتِ، فلو تلفَ المرهُونُ بغيرِ تعدٍّ لم يضمنْه، ولم يَسقطْ من الدَّينِ شيءٌ؛ لأنَّه وثيقةٌ في دينٍ فلا يسقطُ الدَّيْنُ بتلفِه.

وليس للمرتَهِنِ في المرهونِ إلا حقُّ الاستيثاقِ؛ فيمنعُ مِن كلِّ تصرُّفٍ أو انتفاعٍ بالعينِ المرهونةِ، أمَّا الرَّاهنُ فله عليها كلُّ انتفاعٍ لا يُنقصُ القيمةَ كالرُّكوبِ ودرِّ اللَّبونِ، والسُّكنى والاستخدامِ؛ لحديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» (١).

أي: لا يمنعُ الرَّهنُ المرهونَ من مالكِه الذي رهنَه, لينتفعَ به, «لَهُ غُنْمُهُ»؛ أي: فوائدُه ونماؤُه, «وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ»؛ أي: نفقتُه ومُؤْنتُه, فإنَّه إذا تلِفَ تلِفَ عليه (٢).

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَإِذَا قَضَى بَعْضَ الْحَقِّ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِنَ الرَّهْنِ حَتَّى يَقْضِيَ جَمِيعَهُ»؛ أي: إذا قبض المرتهنُ بعضَ الدَّينِ الذي على الرَّاهنِ لم ينفكَّ شيءٌ من الرَّهنِ حتى يقضيَ الرَّاهنُ الدَّينَ الذي عليه كاملًا.


(١) رواه الشافعي في «مسنده» (ص: ١٤٨)، وأبو داود في «المراسيل» (١٨٦)؛ عن سعيد بن المسيب رحمه الله مرسلًا، ووصله ابن حبَّان (٤٠٩٤)، والحاكم (٢٣١٥)، وصححه، وأقره الذهبي.
(٢) وقيل: «لَا يَغْلَقُ»؛ هو من غَلِقَ الرهنُ يَغْلَقُ غُلُوقًا إذا بقِي في يدِ المرتهِنِ؛ لا يقدر راهنُه على تخليصِه، والمعنى: أنه لا يستحقُّه المرتهِنُ إذا لم يستفكَّه صاحبُه، وكان هذا من فعلِ الجاهليةِ؛ أنَّ الراهنَ إذا لم يُؤدِّ ما عليه في الوقتِ المعينِ ملَكَ المرتهِنُ الرهنَ، فأبطلَه الإسلامُ.

<<  <   >  >>