وقد مضَى عليها مدَّةٌ يكونُ لمثلِها أجرةٌ انفسختِ الإجارةُ في المستقبلِ لفواتِ الْمَعْقُودِ عليه، ولا تنفسخُ في الماضي؛ لاستقرارِه بالقبضِ، وهذا كلُّه في إجارةِ العينِ، كقولِه: استأجرتُ منك هذه الدَّابةَ.
أمَّا إذا وقعت الإجارةُ على الذمةِ؛ كما لو قال: ألزمتُك حملَ متاعِ كذا إلى موضعِ كذا، فسلَّمه المؤجِّرُ دابةً ليستوفيَ منها فهلكت؛ لم تنفسخ الإجارةُ، بل يُطالبُ المؤجِّرُ بإبدالِها؛ لأنَّ المعقودَ عليه وهو نقلُ المتاعِ باقٍ في الذِّمَّةِ، بخلافِ إجارةِ العينِ؛ فإنَّ المعقودَ عليه نفسَه فاتَ بفواتِ العينِ المستوفَى منها.
قال أبو شجاع رحمه الله:«وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ إِلَّا بِعُدْوَانٍ»، الأجيرُ أمينٌ على ما في يدِه؛ لأنَّه يعملُ فيه، فإذا استأجرَ شخصٌ أجيرًا لغسلِ ثوبٍ ونحوِه فتلِف في يدِه؛ فإنَّه لا يضمنُه؛ لأنَّه أمينٌ ولم يتعدَّ، فإن تعدَّى لزِمه الضمانُ، كما لو استأجرَ شخصٌ أجيرًا لِلْخَبْزِ فأسرفَ في إيقادِ النارِ، أو ترك المخبوزَ حتى احترقَ، فإنه يلزمُه الضمانُ لتعدِّيه، وكذلك لا يضمنُ المستأجرُ العينَ المستأجرةَ إذا تلِفت في يدِه من غيرِ فعلِه، لأنَّها عينٌ قبضَها ليستوفيَ منها ما ملكَه فلم يضمنْها بمجردِ القبضِ، فإن تلِفت بفعلِه يُنظرْ: إن كان بغيرِ عدوانٍ؛ كضربِ الدابةِ، وكبحِها باللِّجامِ للاستصلاحِ وبما جرت به العادةُ، لم يضمنْ؛ لأنَّها هلكت من فعلٍ مُستَحقٍّ، وكذلك لو هلكت تحتَ الحملِ المعتادِ، فإن تلِفت بعدوانٍ، كالضربِ من غيرِ حاجةٍ، أو حمَّلَها فوق المعتادِ،