قال أبو شجاع رحمه الله:«وَالْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ، وَيُسْتَحَبُّ قَبُولُهَا لِمَنْ قَامَ بِالْأَمَانَةِ فِيهَا»، مَنْ عُرِضَ عليه شيءٌ ليُستودَعَه، نَظَرَ إلى حالِ نفْسِه؛ إنْ كانَ يعجِزُ عن حفظِها حَرُمَ عليه قبولُها، وإنْ كانَ أمينًا قادرًا على حفظِها اسْتُحِبَّ له أن يَقْبَلَها؛ لحديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ»(١).
قال أبو شجاع رحمه الله:«وَلَا يَضْمَنُ إِلَّا بِالتَّعَدِّي»، الوديعةُ أمانةٌ في يدِ المودَعِ، فلا يَضْمَنُ إلَّا بالتَّعدِّي. ومن صُوَرِ التَّعدِّي أنْ يَنْقُلَها من محلَّةٍ ودارٍ لأخرى دُونَها حِرْزًا، أو يُودِعَها غيرَه بلا إذنٍ مِنَ المودِعِ ولا عُذْرَ له، بخلافِ ما لو أَوْدَعَها غيرَهُ لعذرٍ، كمرضٍ أو سَفَرٍ، وله استعانةٌ بمن يَحْمِلُها لحِرْزٍ، أو يَعْلِفُها، أو يَسقيها؛ لأنَّ العادةَ جرت بذلك، وعليه ردُّها لمالكِها أو وكيلِه لعذرٍ، كإرادةِ سفرٍ أو مَرضٍ، فإن فَقَدَهُما رَدَّها للقاضي، وعليه أخذُها، فإن فَقَدَه ردَّها لأمينٍ، ولا يُكَلَّفُ تأخيرَ السَّفرِ، ويُغني عن الرَّدِّ إلى القاضي أو الأمينِ الوصيَّةُ بها إليه، فهو مخيَّرٌ عندَ فقدِ المالكِ ووكيلِه بينَ ردِّها للقاضي والوصيَّةِ بها إليه، وعندَ فقدِ القاضي بينَ ردِّها للأمينِ والوصيَّةِ بها إليه، فإنْ لم يَرُدَّها ولم يُوصِ بها لمن ذُكِرَ؛ كما ذُكِرَ ضَمِنَ إنْ تَمَكَّنَ من ردِّها أو الإيصاءِ بها؛ لأنَّه عرَّضَها للفَوَاتِ، وكذلك يَضْمَنُ بمخالَفةِ حفظِ مأمورٍ به، كقولِ المالكِ له: لا تَرْقُدْ على الصُّندوقِ الذي فيه الوديعةُ فَرَقَدَ وانكسرَ