هذه الألفاظِ في الشَّرعِ بمعنى الطَّلاقِ، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطَّلاق: ١]، وقال تعالى:{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}[الطَّلاق: ٢]، وقال تعالى:{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}[البقرة: ٢٣١]، فإن خاطَبَ الرَّجُلُ امرأتَه بشيءٍ من هذه الألفاظِ الثَّلاثةِ، أو ما اشتُقَّ منها -كطَلَّقْتُكِ، وأنتِ طالقٌ، ومُطَلَّقَةٌ، أو فارقتُكِ، وأنتِ مُفَارَقَةٌ، وسَرَّحْتُكِ، وأنتِ مُسَرَّحَةٌ- وَقَعَ الطَّلاقُ، فإن قالَ: أردتُ غيرَها فسَبَقَ لساني إليها لم يُقْبَلْ؛ لأنَّه يدَّعي خِلافَ الظَّاهرِ، ويُدَيَّنُ فيما بَيْنَهُ وبينَ اللهِ تعالى؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ ما يدَّعيه، فإن عَلِمَتِ المرأةُ صِدْقَهُ فيما دُيِّنَ فيه جازَ لها أن تقِيمَ معه، فإن قالَ: قد فارقتُكِ سائرًا إلى المسجدِ، أو سَرَّحْتُكِ إلى أَهْلِكِ، أو قد طَلَّقْتُكِ من وَثَاقِكِ، أو ما أشْبهَ هذا؛ لم يَكُنْ طلاقًا، فإن قيلَ: قد يَكونُ هذا طلاقًا تَقَدَّمَ فأَتْبَعَه كلامًا يَخْرُجُ به منه؛ قيلَ: قد يقولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ؛ يُبَيِّنُ آخِرَ كلامِه عن أوَّلِه، ولو أَفْرَدَ لا إلَهَ؛ كان كافرًا.
قال أبو شجاع رحمه الله:«وَالْكِنَايَةُ كُلُّ لَفْظٍ احْتَمَلَ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ، وَيَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ»، كأن يقولَ الرَّجلُ لامرأتِه: أنتِ خَلِيَّةٌ؛ أي: خاليةٌ من الأزواجِ، وبَرِيَّةٌ؛ أي: بَرِئْتِ من الزَّوجِ، وبَتَّةٌ؛ أي: قَطَعْتُ الوصلَ بَيْنَنا، وبتلةٌ؛ من تَبَتَّلَ الرَّجُلُ إذا تَرَكَ النِّكاحَ وانفردَ، وبائنٌ؛ من البَيْنِ وهو الفِراقُ، وأنتِ حُرَّةٌ، وواحدةٌ، واعتدِّي، واستبرِئي رَحِمَكِ، والحَقِي بأهلِكِ، وحبلُكِ على غاربِكِ، وتَقَنَّعي، وتَسَتَّري، وبِينِي، وأنتِ حرامٌ، وأنتِ عليَّ مُحَرَّمَةٌ، فإن خاطبَها بشيءٍ من ذلك ونوى به الطَّلاقَ وَقَعَ، وإن لم ينوِ لم يَقَعْ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ الطَّلاقَ وغيرَه.