للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودليلُ ذلك حديثُ كعبِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه عندما تَخَلَّفَ عن غزوةِ تَبُوكَ قالَ: «لمَّا مضتْ أربعونَ من الخمسينَ واستلبثَ الوحيُ، وإذا رسولُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأتيني، فقالَ: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأمُرُكَ أن تعتزلَ امرأتَكَ، فقلتُ: أُطَلِّقُها أم ماذا أفْعلُ؟ قالَ: بل اعتزِلْها فلا تَقْرَبَنَّها، فقلتُ لامرأتي: الحقِي بأهلِكِ» (١)؛ فَعَلَ ذلك خشيةَ أن يخالفَ أمرَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ويعاشرَها إذا بَقِيَتْ عندَه، ولم يُردِ الطَّلاقَ، فلمَّا نزَلَت توبتُه رَجَعَت زوجتُه إليه، ولم يأمرْه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بفِراقِها، أو بتجديدِ عقدِه عليها.

وفي حديثِ عائشةَ رضي الله عنها أنَّ ابنةَ الجَوْنِ لمَّا أُدْخِلَتْ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ودَنا منها قالت: أعُوذُ باللهِ منك، فقال لها: «لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الحَقِي بِأَهْلِكِ» (٢)، وكانَ ذلك طلاقًا لها؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أرادَ الطَّلاقَ؛ فوَقَعَ.

فدَلَّ على أنَّ قولَ: «الحَقِي بأهلِكِ»، وما شابَهَهُ مِن ألفاظِ الكِناياتِ لا يقعُ طلاقًا إلَّا إذا كانَ مصحوبًا بنيَّةِ الطَّلاقِ.

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَالنِّسَاءُ فِيهِ ضَرْبَانِ:

١ - ضَرْبٌ فِي طَلَاقِهِنَّ سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ، وَهُنَّ ذَوَاتُ الْحَيْضِ؛


(١) رواه البخاري (٤١٥٦)، ومسلم (٢٧٦٩)، وقوله: «استلبثَ الوحيُ»؛ أي: تأخَّرَ نزولُه.
(٢) رواه البخاري (٤٩٥٥)، وابنةُ الجونِ: هي أميمةُ بنتُ النُّعمانِ بنِ شَراحيلَ أبي جونٍ الكِنْدِيَّةُ، وكانت جميلةً فخافَ نساؤُه أن تَغْلِبَهُنَّ عليه صلى الله عليه وسلم، فقلنَ لها: إنَّه يعجبُه أن يُقالَ له: نعوذُ باللهِ منك، فَفَعَلَتْ. و «أعوذُ»؛ أي: ألتجئُ.

<<  <   >  >>