للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ»، فقال هلالٌ: والذي بَعَثَكَ بالحقِّ إنِّي لصادقٌ، فَلَيُنْزِلَنَّ اللهُ ما يُبَرِّئُ ظهري من الحَدِّ، فنَزَلَ جبريلُ، وأَنْزَلَ عليه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ... }؛ فقرأَ حتَّى بَلَغَ: {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، فانصرفَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فأَرْسَلَ إليها، فجاءَ هلالٌ فَشَهِدَ، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟»، ثمَّ قامتْ فَشَهِدَتْ، فلمَّا كانتْ عندَ الخامسةِ وقَفوها، وقالوا: إنَّها موجِبةٌ، قال ابنُ عبَّاسٍ: فتلكَّأتْ ونَكَصَتْ؛ حتَّى ظننَّا أنَّها تَرْجِعُ، ثمَّ قالت: لا أَفْضَحُ قومي سائرَ اليومِ، فمضتْ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ العَيْنَيْنِ، سَابِغَ الأَلْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ»، فجاءت به كذلك، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» (١).

قال أبو شجاع رحمه الله: «وَإِذَا رَمَى الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ بِالزِّنَا فَعَلَيْهِ


(١) رواه البخاري (٤٤٧٠)، وقولُهم: «موجِبةٌ»؛ أي: للعذابِ الأليمِ عندَ اللهِ تعالى إن كنتِ كاذبةً، وقولُه: «فَتَلَكَّأَتْ»؛ أيْ: تَوَقَّفَتْ وتَبَاطأتْ عن الشَّهادةِ، و «نَكَصَتْ»؛ أي: أَحْجَمَتْ عن استمرارِها في اللِّعانِ .. وقولُها: «لا أَفْضَحُ قومي سائرَ اليومِ»؛ أيْ: لا أَكونُ سببَ فضيحتِهم فيما بقيَ من الأيَّامِ، يقالُ لهم: منكم امرأةٌ زانيةٌ، وقولُه: «فمضت»؛ أي: في إتمامِ اللِّعانِ، وقولُه صلى الله عليه وسلم: «أَبْصِرُوهَا»؛ أي: انظُروا إليها وراقِبوها عندما تضعُ حَمْلَها، و «أَكْحَلَ»؛ أيْ: شديدُ سوادِ الجفونِ خِلقةً من غيرِ اكتحالٍ، و «سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ»؛ أيْ: ضَخْمُهُما، و «خَدَلَّجَ»؛ أي: ممتلئٌ، و «مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللهِ»؛ أي: ما قُضِيَ فيه من أنَّه لا يُحَدُّ أحدٌ بدونِ بيِّنةٍ أو إقرارٍ، وأنَّ اللِّعانَ يَدْفَعُ عنها الرَّجمَ، و «لِي وَلَهَا شَأْنٌ»؛ أيْ: كانَ لي معها موقفٌ آخَرُ؛ أي: لرجمتُها ولفعلتُ بها ما يَكونُ عِبرةً لغيرِها، وجاء في روايةٍ لمسلمٍ (١٤٩٦): «فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبِطًا قَضِيءَ الْعَيْنَيْنِ فَهُوَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ»، و «سَبِطًا»؛ أيْ: مسترسِلَ الشَّعرِ، و «قَضِيءَ الْعَيْنَيْنِ»؛ أي: فاسدَهما بكثرةِ دمعٍ أو حُمرةٍ.

<<  <   >  >>