للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحِرابةُ من كبائرِ الذُّنوبِ، وقد غَلَّظَ اللهُ عقوبتَها أشدَّ التَّغليظِ، فقال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: ٣٣].

وفي الصَّحيحينِ عن أبي قِلابةَ أنَّ أنسَ بنَ مالكٍ رضي الله عنه قالَ: «قَدِمَ أُناسٌ مِن عُرَيْنَةَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وتَكَلَّموا بالإسلامِ فقالوا: يا نبيَّ اللهِ، إنَّا كُنَّا أهلَ ضَرعٍ، ولم نَكنْ أهلَ رِيفٍ، واجتوَوُا المدينةَ، فأَمَرَ لهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بذَودٍ وراعٍ، وأمَرَهم أن يَخْرُجُوا فيه، فَيَشْرَبُوا مِن ألبانِها وأبْوَالِها، فانطلَقوا حتَّى إذا كانوا ناحيةَ الحَرَّةِ كَفَروا بعدَ إسلامِهم، وقَتَلُوا رَاعيَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، واستاقُوا الذَّودَ، فَبَلغَ ذلك النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فبَعَثَ الطَّلبَ في آثارِهم، فأُتيَ بهم، فقَطَعَ أيديَهم، وأرجُلَهم، وسَمَلَ أعينَهم، وتركَهم في الحَرَّةِ، حتَّى ماتوا»، قال أبو قِلابةَ رحمه الله: فهؤلاء قَومٌ سَرقوا وقَتَلُوا، وكفَروا بعدَ إيمانِهم، وحارَبُوا اللهَ ورسولَه (١).


(١) رواه البخاري (٢٣١)، ومسلم (١٦٧١). والنَّفرُ: عِدَّةُ رجالٍ دونَ العشَرةِ، وجاءَ في «مستخرَج أبي عَوانةَ» (٦٠٩٩)؛ أنَّهم كانوا ثمانيةً، وأهلُ الضَّرعِ: أهلُ الماشيةِ والباديةِ، وليسوا من أهل المدنِ والحضرِ، وإنَّما عيشُهم من اللَّبَنِ، والرِّيفُ: أرضٌ فيها زرعٌ وخصبٌ، والجمعُ: أريافٌ، واجتَووا: استوخموا، يُقالُ: اجتوى موضعَ كذا؛ استوخَمه وكَرِهَ المُقامَ فيه، وهو افتعلَ من الجَوى، وهو الألمُ في الجوفِ، والذَّودُ من الإبلِ: من الثَّلاثةِ إلى العشَرةِ. والحَرَّةُ: أرضٌ ذاتُ حجارةٍ سودٍ، وهي ههنا اسمٌ لأرضٍ بالمدينةِ معروفةٍ، وسَمَلَ أعينَهم فقأَها بحديدةٍ محماةٍ.

<<  <   >  >>