فبينا أنا بالمدينة التمس من يكتريها إلى مكة [إذ] سمعت شيخا وهو ينادي: من يحملني إلى البيت الحرام وله وقر جمله دراً وياقوتا؟ والناس يستهزئون به، ويتحامونه لفقره وعظم جثته، [فقلت لنفسي: ومالي لا أعطيه جملا! فإن كان صادقاً كان في ذلك الغنى، وإن كان كاذباً فلم يضرني ذلك. فلم أزل أتبع الصوت حتى ظهر لي] ، فإذا به الحارث بن مضاض الجرهمي، ملك مكة صاحب الغربة الدائمة والعمر الطويل، قد سلب ملكه، وعمي بصره مما بكى على أهله ووطنه وملكه.
ثم أمره أن يحمله إلى مواضع من جهات مكة، أخرج منها دفائن استغنى بها إياد وولده.
قال إياد: ولقد كان يقول لي: اعدل ذات اليمين! اعدل ذات اليسار! ويدخلني إلى شعاب وأماكن ما دخلتها قط. وهي مسقط رأسي، وكنت بها فاتكاً.
ثم أوصاه بوصية، وأسر إليه بأن محمداً خاتم الأنبياء الذي يعز الله به العرب من ولد مضر. وقال له: إن أدركته فصدق وحقق، وقبل الشامة التي بين كتفيه؛ وقل له: يا خير مولود دعا إلى خير معبود! فعند ذلك إما تأتيك ملك أو هلك!