صدقتم؛ فقال الآخر: أما إنه لشرود مخدر؟ فقال: جملي عندكم! ولزمهم إلى أن وصل معهم إلى أفعى نجران، وسبق إليه الأعرابي فأخبره، فعلم أن لهم شأنا.
فأحسن نزلهم، وأرسل إليهم خروفاً مشوياً وخمراً وعسلاً، فأكلوا وشربوا وسكروا؛ فقال أحدهم: نعم ما أكرمنا به الملك لولا أن الخروف أرضعته كلبة، وقال الآخر: ولولا أن الخمر معصورة من كرمة عرمت في قحف ميت، وقال الآخر: ولولا أن العسل وضعته النحل في جوف حمار، وقال الآخر: ولولا أن الملك ولد زنى! فنقل ذلك للملك، فأحضرهم وسألهم عن قصة الجمل في الأول، فقال أولهم: علمت أن أعور لأني رأيته في أثره يأكل من جهة واحدة وهي التي تبصرها عينه السالمة، وقال الثاني: علمت أنه أزور لأني رأيت آثار مشيه عادلة عن الطريق، وفي الجهة الواحدة تقل وطئاً عن الأخرى؛ وقال الثالث: علمت أنه أبتر لأني رأيت بعره ينزل في مكان واحد مجتمعاً، ولو كان بذنب لفرقه؛ وقال الرابع: علمت أنه شرود مخدر لأني أبصرته لا يستقر في مكان ولا يأكل بطيءاً! فقال: أحسن جميعكم! ثم قال للأعرابي: قم فاطلب جملك؛ فالقوم حكماء وليسوا بلصوص! ثم صرفهم للكرامة، وسأل في باطن منزله عن المعاني التي ذكروها في الخروف والعسل والخمر فوجدها كما ذكروا، وسأل أمه في الخفية عما قالوه في حقه، فأخبرته أن أباه