وتغرب قيس وأسن، وضعف عن طلب الحرب. وحكى العسكري في الرسالة الشاملة أنه لما أسن، وقعد عن الغارات، اشتدت فاقته؛ فخرج يوماً وأبصر قوما يشتوون لحماً، فلما وجد رائحة القتار دب إليهم، فسألهم أن يطعموه _ ولم يعرفوه _ فردوه أقبح رد؛ فقال: إن بطناً حملتني على هذه الخطة لحقيق ألا يدخلها طعام ولا شراب! وأمسك عن ذلك حتى مات.
ومن نثر الدر: لما قتل قيس بن زهير أهل الهباءة، وخرج حتى لحق بالنمر بن قاسط، قال: يا معشر النمر، أنا قيس بن زهير، غريب حديب طريد شريد موتور، فانظروا لي امرأة قد أدبها الغنى، وأذلها الفقر؛ فزوجوه امرأة منهم. فقال: إني لا أقيم فيكم حتى أخبركم بأخلاقي: إني فخور غيور آنف، ولست أفخر حتى أبتلى، ولا أغار حتى أرى، ولا آنف حتى أظلم! فرضوا أخلاقه، وأقام فيهم حتى ولد له، ثم أراد التحول فقال: إني أرى لكم علي حقاً بمصاهرتي إياكم، ومقامي بين أظهركم، وإني أوصيكم بخصال آمركم بها، وأنهاكم عن خصال: عليكم بالأناة فإن بها تدرك الحاجة وتنال الفرصة، وتسويد من لا تعابون بتسويده، والوفاء فان به يعيش الناس، وإعطاء ما تريدون إعطاءه قبل المسألة، ومنع ما تريدون منعه قبل [الإلحاح] ، وإجارة الجار على الدهر، وتنفيس البيوت عن منازل الأيامى، وخلط الضيف بالعيال. وأنهاكم عن الرهان ففيه ثكلت مالكاً أخي، وعن البغي فإنه صرع زهيراً أبي، وعن السرف في