براقة أخاذة بإبصار المطالعين، ومن لنا بِمثله عن فاس الْمَاجدة العظيمة التي هي فاسنا كلنا لا فاس سكانَها وحدهم؛ لأن فاس فاس العلم والفكر والحضارة، لا فاس شيء آخر، وإن تاريخ المغرب الثقافي العام ليكاد كله يكون كجوانب الرحى حول قطب فاس، فهأنذا أعلن عن سوس هذه التي أولعت بها، أن أول عالِم سوسي عرفته سوس فيما نعلمه هو وجَّاك، وهل هو إلا تلميذ أبي عمران الفاسي، وأنا هذا الذي أحسن مني بهذه الهمة، هل كنت إلا تلميذ علماء آخرين، وأجلهم وأكثرهم تأثيرا في حياتي الفكرية العلماء الفاسيون، وليت شعري كيف أكون لو لَم أقض في فاس أربع سنوات قلبت حياتي وتفكيري ظهرا لبطن، ثم لَم أفارقها إلا وأنا مَجنون بالمعارف جنون قيس بن الملوح بليلاه، حتى نسيت بها كل شيء.
فهكذا فاس، فهذ الأستاذة أمس واليوم، وكل أنْحَاء المغرب تلاميذ لَها، ولعل القارئ عرف ما ذكره المراكشي الصميم صاحب (المعجب) عن فاس في وقت ازدهار مراكش في عصرها الذهبي من الإشادة بِها، وتلك مزية كتبت لفاس من الأزل، فكانت أحق بِها وأهلها، أفيجمل بِمدينة مثل هذه تطفح بالشخصيات النادرة من العباقرة ما بين لغوي وأديب وطبيب وفيلسوف ومشرع ومُصلح وسياسي وصوفي، زيادة عما مضى فيها من الحوادث التي كانت هي الحاسمة في كل أدوار الحوادث في المغرب كله، أن تبقى بلا تاريخ مفصل منظم، مع أن ذلك في دائرة الإمكان؟
وبعد فليسمع صوت هذا السوسي كل جوابن المغرب من أعظم حاضرة إلى أصغر بادية، فلعل من يصيخون يندفعون إلى الميدان، فنرى لكل ناحية سجلا يضبط حوادثها، ويعرف برجالها، ويستقصي عاداتها، فيكون ذلك أدعى إلى وضع الأسس العامة أمام من سيبحثون في المغرب العام غدا على منضدة التاريخ المغربي العام.
ثم أقول لإخواننا السوسيين من الشباب: لا تظنوا أنني في كل ما سودته مما كتبته في مُختلف تلك الأجزاء الخمسين مِما خصص بالرجال أو بالحوادث أو بالرحلات أديت به حتى عشر المعشار من الواجب عن