إنَّما ذكرنا هذا كله؛ ليعرف من يتصدى لتلك الناحية ليؤرخها تاريخا حقيقيّا أن المراجع لا تعوزه بالكلية، زيادة على ما سيجده عند الأسر من مشجرات الأنساب، وما سيلقاه من الكنانيش، ومن كتب النوازل وأقوال الناس وأشعار الشلحيين، فقد استمددت أنا كثيرا من الفتاوي البرجية والعباسية والسَّميحية وأمثالَها أسْمَاء وعلماء متعاصرين، ومن أراد أن يستمد منها العادات والمألوفات فإنه سَيجد في ذلك شيئا كثيرا، وكنْزا لا ينضب، فقد سَمعت يوما من ابن غيل الشاعر الشلحي الأقاوي المفوه، قصيدة شلحية بليغة في الواقعة التي كانت عام (١٢٩١هـ) بين الجراري وسيدي الحسين بن هاشم، فإذا بي أشده بتصوير ذلك وترتيب وقائعه، وهناك أيضا قصيدة شلحية، يصف فيها قائلها كيف خرب مُحمد بن علي المنصاكي مدينة تامْدولت، وكذلك قرأت قصيدة مثلها لآخر في مُجادلات بين أحد باشوات تارودانت وبين أحد شيوخ إحدى القبائل المجاورة، يذكر فيها علاقة غرامية مع بنت ذلك الشيخ، وما جرى حولَها، وهكذا يَجد المؤرخ الباحث المواد من كل ناحية، حتى مِما لا يؤبه له، والفائدة هي المنشودة، فتلتقط ضالتها حيثما توجد.
على أن تاريخ بلاد سوس لا يزال كله بكرا غير مفتض، ولَم تُكتب منه إلا شذرات، فهأنذا أقر أنني -وإن بذلت من المجهود ما بذلت- ما جمعت مِما أمكن جَمعه إلا قليلا ضئيلا؛ لاتِّساع الرقعة، ولعدم تيسر الاتصال المطلوب مع كل أحد، حتى التاريخ العلمي للعهود الأخيرة، فإن كل ما حرصت على جمعه حوله؛ لن يبلغ الحد المطلوب ولا نصيفه ولا قاربه، لعدم حرية التجول أمس، ولاشتغالي بالوظيف بعد استقلالنا اليوم، وكل ما تقممته هنا وهناك، فإنَّما خطفته كما يَخطف الباشق من ثَمرات البستان الذي لا يغفل ناطوره، وعلى من يأتون أن لا ينظروا إلى كل ما جَمعته إلا نظرة من يَجد بين يديه بعض المصادر، ثُم عليه أن يَجتهد حتى ييسر مصادر أخرى، زيادة على الأغلاط التي لا بد أن تكون مني كثيرة.
وبعد: فإنني لَم أعرج في هذه المراجع على ذكر مؤلفات في التاريخ ذكرت لعبد الله بن يعقوب السملالي، وأحمد بن عبد الله التِّيزركِيني وأمثالَهُما؛ لأنني لا أظن ذلك موجودا، حين لَم يقع عليه باحث، ولا نقل عنه ناقل، وكذلك مثل كتاب (إنارة البصائر في أصحاب الشيخ ابن ناصر) الذي يعده الباحثون داخلا في دائرة الضياع، فلا معنى للتنبيه عليه بين