رأى معنا القارئ كل ما ذكرناه في الفصلين المتقدمين من وجود الأدب العربي السوسي منذ العاشر، وأن هناك شعراء سوسيين في البلاط (١) السعدي إزاء الفشتالي، كما أن هناك آخرين في البلاط الإيليغي يشيدون بقوافيهم ما لا يُشاد إلا بالقوافي من الثناء العطر، والذكرالطيب، فينافحون كما كان ينافح حسَّان بن ثابت شاعر الأنصار، المؤيد بروح القدس. كما كانت هناك أيضا كما تقدم حلبة أخرى مفلقة استلت شهادة خزيْمة من محمد العالِم للأدباء السوسيين؛ لتمكنهم في اللغة والنحو، يوم تولى الخلافة عن والده في تارودانت، وكما لوحنا أيضا إلى ما نشأ من المدرسة الهوزيوية من اعتناء بالأدب، فهناك ألسنة لسنة حاولت أن تطير بالبيان في مطارات واسعة، هذا كله يفهمه القارئ مما تقدم فيجد من نفسه داعيا حافزا مُلحا إلى أن يُدرك كيف هذا الأدب السوسي. وما مقدار جزالته، وأين منتهاه في المحافل المختلفة الأذواق، وما هي مكانته من الفصاحة والبلاغة، ونصوع اللفظ، ولطف المعنى، ورشاقة الأسلوب، ثم ما هو سيره منذ انبثق من العاشر، إلى أن يدرك هذا العهد الذي نعيش فيه، أكان دائما في مستوى واحد طوال تلك القرون، أم كان يقع ويرتفع، ويعلو ويسفل، بِحسب الدواعي والبواعث المادية والمشجعات بِمناسبات؟ إننا إن أردنا أن نلقي نظرات على الأدب العربي في هذه الزاوية المغربية، إلقاء من يريد أن يعرف كيف تقلباته بالإجمال، وما هو سيره في مُختلف تلك القرون؛ لا بد أن نقسمه إلى أدوار مُختلفة كما أدانا إليه درسنا للموضوع:
١ - النهضة الأدبية السوسية الأولَى.
٢ - زمن الفتور بعدها.
٣ - مُحاولة إنعاش الأدب بعد فتوره.
٤ - النهضة الأدبية السوسية الثانية.
فبهذه الأقسام الأربعة، وبالإدراك لِمَا يَجمعه كل قسم منها يَخرج الباحث المتتبع وقد عرف ما انتهى إليه علمنا في الموضوع.