سَمع القارئ ذلك الحكم المسمط الذي حكمنا به على أدب هذا الدور بأنه ينتهي مده في سنة (١٣٥٢هـ)، وقد بقي خامدا هامدا ينطفئ شيئا فشيئا وعلى وجهه -بالإعراض عنه- غبرة ترهقها قترة، وهو في حالة المرموس، وإن كان الجهال يظنونه حيّا، وأنى يظن عاقل أنه في حكم الحياة؟ مع أن أقطابه الذين تَخطاهم الْحمام، وبقوا بعد تلك الحلبة، يرفعون العقيرة بإنشاد البيت الشهير:
هذا جزاء امرئ أقرانه درجوا ... من قبله فتمنى فسحة الأجل
هاهم أولاء اليوم وهم من كانوا أمس زينة المحافل الأدبية في انزواء وفي استيحاش، يرحمهم اليوم من كان يغبطهم أمس، وقد ذوت القوافي من أقلامهم وغاضت القرائح من أعراضهم، وما أعراضهم إلا أثر للصدمة الهائلة التي زلزلتهم بالْحَادثة الجلي زلزالَها، من احتلال تلك الناحية (١٣٥٢هـ). فكيف لا ينهار ذلك البناء المشمخر من أساسه، ثُم لا يبقى فيه أثر يدل على العين، لكن نَحمد الله على أن السعد لا يزال يلحظ الأدب السوسي بعيونه، فهيأ نشئا من أبناء هذه النهضة فاتصلوا بالحواضر، بعد ما شدوا في التعاليم الأدبية السوسية، فامتزجوا هناك بالأدب الحديث، فتَعَانَق -بسببهم- الأدب السوسي والأدب العصري، فتكشف ذلك عن أدب مُمتزج في أنظار بعض الأدباء السوسيين المتأثرين بأسلوبهم الذي نشئوا عليه، وإن لَم يكن في الحقيقة كالعسل المصفى، فأمنا بذلك من اندثار الأدب السوسي بالكلية، بل رجونا أن يكون لِهذا النشء تأثير في الفكر الأدبي السوسي حتى يستطيع أن يندمج في حركة الأدب العربي العام التي تسود اليوم العالم العربي كله، فتؤدي أيضا القريحة السوسية ما عليها، فيرجع النشاط الأدبي من جديد إلى ما وراء الأطلس كما كان منذ قرون.
إننا متفائلون كثيرا بِهذه الحركة الجديدة التي هي ذيل مذهب لِهذه النهضة الأخيرة، وتقود هذه الْحَركة المتفاءل بِها حلية في طليعتها الشاعر البونعماني الذي برز حوالي (١٣٥٢هـ)؛ ولذلك رمزنا بِهذه السنة لفجر هذه الْحَركة المباركة، ثُم يتلوه الْحَسن التَّناني، وإبراهيم الإلغي، ومُحمد الكثيري، ومُحمد الروداني، ومُحمد العثماني، ونرى آخرين يعضدونَهم