للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طور الفترة بعد النهضة الأولَى ١١١٨هـ - ١١٨٩ هـ

كنا نتراءى قبل أن يَختتم دور تلك النهضة باعتناء مُحمد العالِم، أن فن الأدب كان حقّا في الحشرجة، بعد أن سقطت إيليغ أمام زحف المولى الرشيد، وبعد أن توالت النكبات على سوس بالْحُروب الهائلة الكثيرة، التي توالت بين ابن مِحرز وبين مولاي إسْمَاعيل، فلم يتمكن ابن مِحرز كل التمكن في سوس، حتى يستقر به القرار؛ ليمكن أن يظهر اعتناؤه بالعلم وتوابعه كالأدب، إن كان قدر له أن سيكون من أصحاب هذا الاعتناء، وإن كنا نقع على بعض ما يدل على أن منه اعتناء بالعلماء، فقد وقفنا على وثيقة كتبت إليه وقعها ثَمانية عشر عالِما يشهدون فيها بسيد من سلالة أخيار (١) يلفتون نظر ابن مِحرز إلى أن مقامه يستدعي التوقير والإجلال، وتوفير الكرامة، ولعل لِهذه الشهادة التي أقدم عليها هؤلاء العلماء الجزوليون دلالة على أن موقعيها يعلمون ما تلاقيه شهادتهم عند الأمير، ولا يندفعون ما لَم يكونوا آنسوا منه قبل تلك الساعة ما يشجعهم على ذلك، وأيّا كان فإن ما يدل على هذه النقطة لا يزال مسود الجو في نظر بَحثنا الناقص، ونَخاف أن يكون بعض العلماء أووا إلى ظل ابن مِحرز، ثُم ينالَهم بطش من المولى إسْمَاعيل يوم ينتصر عليه، كما رأينا مثل ذلك واقعا حقيقة يوم البطش بالْمَولى مُحمد العالِم، فتؤدي هذه الفتكات إلى انزواء العلماء، ومن بينهم من يتعاطى الأدب، على أن بروز مُحمد العالِم قد مَحا ما عسى أن يتبقى من عواقب ابن مِحرز، فأعلن راية التشجيع للعلم والأدب، فأزال الروعة، وهيبة الإمارة عن أفئدة العلماء والأدباء، ثم لَم نر من أهله من خلفه في هذا التشجيع حتى عبد المالك أخوه الذي كان في تارودانت سنوات (١١٣٦هـ) فإننا لَم نقع إلى الآن على ما يدل على أنه أخذ مأخذ صنوه مُحمد العالِم، وإن كان له أيضا في العالَم الأدبي ما له، وربّما يتراءى لَنا أنه رفعت إليه المقامة الأزاريفية (٢)، ومقصودنا أن نُدرك أن للكوارث التي دارت في سوس بعد انْهِيار إيليغ، وفي أوقات المصادمات بين الأميرين ابن مِحرز ومولاي إسْمَاعيل، تأثيرا في تأخير الأدب، وقد صَرَّح في التاريخ بذلك فقال (٣) من يُحدث عن إيليغ: «إن الأدب قد انطوى بعد انطوائِها ... ».


(١) وهو الشيخ عبد الله بن سعيد الأيْمُوري.
(٢) توجد في كتاب (المعسول) عند ذكر الإزاريفيين في (القسم الخامس).
(٣) (نفحات الشباب) هـ.

<<  <   >  >>