القيروان ومراكش وفاسا وغيرها، وبآخرين: منهم من كان عالِما وسطا، ومنهم من نَحسبه كذلك، ومنهم من لا نظنه إلا عابدا صوفيّا لا غير، كما أنه لولا دواع أخرى لأناس آخرين؛ لَمَا رأينا من التاسع إلى الآن شيئا، فكان الشكر الجزيل للدواعي الخاصة التي تعتني بوجهة يحفزها إليها حافز، إمَّا التاريخ العام الذي يترامى إلى نواح شتى، فلم نَحسب أنه جال قط في دماغ سوسيين إلى الآن.
[النهضة العلمية السوسية بعد الثامن وأسبابها]
رأينا فيما تقدم كيف كانت حالة سوس العلمية منذ اعتنقت الإسلام إلى الثامن، ولَم تكن بِحالة مبهجة، إمَّا لكونِها كذلك في الواقع، وإمَّا لأن سجوفا من الجهل الكثيف بالتفريط أسدلت دونَها، غير أن حالة تلك القرون إن لَم تكن سارة مبهجة؛ فقد جاء التاسع بفاتِحة خير، وطلع بفجر منير، وسفر عن وجه يقطر بشاشة وبشرا، حقّا كان القرن التاسع قرنا مَجيدا في سوس، ففيه ابتدأت النهضة العلمية العجيبة التي رأينا آثارها في التدريس والتأليف، وكثرة تداول الفنون، وقد تشاركت سملالة وبعقيلة ورسموكة، وآيت حامد وأقا، والجَرسيفيون، والهشتوكيون، والوادنونيون، والطاطائيون، والسكتانيون، والراسلواديون وغيرهم فيها، ثم جاء القرن العاشر، فطلع بِحركة علمية أدبية أوسع مِمَّا قبلها، تشده كل مطلع، فقد خرج العلماء إلى الميدان الحيوي، والمعترك السياسي، فشاركوا في الأمور العامة، واستحوذوا على قيادة الشعب، فكانوا سبب توطد الدولة السعدية، ثم جازتْهم هي أيضا بدورها، فكان منهم أفراد بين الكتاب والشعراء الملازمين للعرش، والسفراء ورؤساء الشرطة، وقواد الجند، والحرس الملكي الخاص (١) فزخرت سوس علما بالدراسة والتأليف، والبعثات تتوالى إلى فاس ومراكش، وإلى الأزهر، فكانت تئوب في ذلك العهد بتحقيقات اليسيتني، والونشريسي، وابن غازي، ونظرائهم، حتى كان كل ما يدرس في القرويين يكاد يدرس في سوس، قولة لا تنفج فيها وإنّها لَحقيقة ناصعة يقر بها كل مطلع (وما يوم حليمة بسر).
(١) من مجموعة لدوكاستري أنه لا يتولى في الحرس الخاص في عهد السعديين إلا الجزوليون.