أحق ما يفتتح به كل من له إلْمَام بلمعة من المعارف، أن يَحمد الله على ما أولاه إيَّاه، وأن يُصلي على رجل العالَم القرشي الْهَاشمي الذي حرر الأفكار، وشحذ العقول، وهتك الأوهام، ونفى الخرافات، فهيأ الأفكار لاقتناص المعارف كما هي من غير أن تشوبَها شائبة من إلاهيات اليونان، وأساطير الكلدان، وأوهام البطالسة والرومان، وخرافات الهند وإيران، كما يَحق أن يترضى عن أولئك الرجال الذين تربوا بذلك الرجل العظيم في وسط تلك البادية القاحلة، فسادوا من تربوا في مدارس الإسكندرية ورومة وبيزانطة والمدائن وجُنْدَيْسَابُور، فكانوا خير علماء بعد أن كان تضرب بِهم في الجهالة الأمثال، ويسير بأحاديثهم المحققة أو المأفوكة الركبان، كما أصبحوا مقاديم قلبوا الكرة الأرضية ببسالتهم النادرة، بعد أن كانوا عند سواهم كالرعاديد، بل صاروا أشباه الملائكة نزاهة وعلو همَّة، وزهدوا فيما يَملكون، فضلا عما لا يَملكون، فظهروا بمظهر عجيب، ومبادئ تنسف الأوهام، بعد أن كانوا ما شاء الله أغوال الصحراء التي تتخبط القوافل، أو تنتهب فيما بينها حرَبا (١) وفتكا، إذا لَم تَجد من تنتهب ماله، أو تفتك به، كما يقول أحدهم:
وأحيانا على بكر أخانا ... إذا ما لَم نَجد إلا أخانا
فلم تَمض إلا سنوات عليهم مع معلمهم العظيم، والنبي الذي بذ كل الأنبياء، حتى تقمصوا روحا وثابة سارية، هي بالكهرباء أشبه منها