للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحاحي المزازي صاحب (منازل العلم)، ومن السابع عهد العبدري صاحب (الرحلة)، وكيف سجلماسة من القرن الثاني فالثالث، فهلم جرَّا؟ وعرف مع ذلك كيف اعتنى اللمتونيون والموحديون بالعلوم وبنشرها في المغرب؟ وعرف أن مراكز هاتين الدولتين (١) لا بد أن تكون بسوس. وعرف أيضا أن أغمات ومراكش وحاحة وما إلى سجلماسة مغدى السوسيين ومراحهم، يكاد يَجزم بأن كل ما كانت طلائعه في القرن الخامس بسوس، أيَّام وجَّاج، مما يظهر أنه متسع الساحة، لَم تنطفئ جذوته، ولا جزر مده فيما يلي، وما الجزولي صاحب الكراسة (٦١٦هـ) ولا أبو يَحيى الـچـرسيفي المفسر الْمُحدث الكبير خريج الأندلس، ولا عمه سعيد بن النعمان، ولا ابن عمه الجزولي الجرسيفي نزيل فاس صاحب الشروح المتعددة على الرسالة (٧٤١هـ) وأمثالهم كالذين يكاتبهم ابن البناء ويُجاذبهم علم التوقيت فذكرهم في بعض كتبه، إلا أفراد أمْكن لَهم أن يظهروا في التاريخ لدواع خاصة، على حين أن آخرين من معاصريهم غمروا، ولَم يتأت لَهم من مثل تلك الدواعي ما يعرفهم به التاريخ، وإلا فلا يمكن أن يزخر المغرب كله بدوه وحضره بالعلوم العربية أيام الموحدين، ثم تبقى جزولة في نومها العميق، وجهلها الدامس، وهي التي نراها سباقة إلى كل غاية، ومادة يَمينا عرابية إلى كل راية.

هل ضياع أخبار تلك القرون هو سبب عدم إدراكنا مَجد سوس العلمي؟

طالما رجعنا البصر كرتين، وأكثرنا الإمعان في عدم شهرة تلك القرون بالعلم العربي السوسي كما اشتهرت به بعد ذلك، فتراءى لنا ما ربما نَميل إلى ترجيحه أحيانا، من أن السبب الوحيد هو ما ابتلي به السوسيون إلى اليوم، من عدم الاعتناء برجالِهم، والتفريط دائما لا ينتج إلا الْجهل المظلم، وهذا العيب لا يزال فيهم ماثلا إلى الآن، كأنه مُمتزج بدمائهم، مستحوذٌ على ألبابِهم، فلولا دواع خاصة لبعض الناس؛ لَما رأينا أيضا من القرن التاسع إلى الآن إلا مثل ما نراه فيما قبل، مِمَّا بين القرنين الخامس والثامن، فلولا (التشوف) للزيات؛ لَما ظفرنا ببعض صوفية سوسيين، ولولا مُؤرخون آخرون غير سوسيين؛ لَما ظفرنا بآخرين من فطاحل علماء سوس إذ ذاك، نزلوا


(١) من مراكز اللمتونيين المشهورة إلى الآن: مركز السوق بتَانْكرْت في أفران ومركز فَمِ أكادير بتامانارْت ومركز آخر في (تَاغَاجِّيجْيت، وكان وادي نون مضرب سكتهم

<<  <   >  >>