جَمعنا هذين الفنين في قَرَنٍ واحد؛ لأنَّهما كذلك عند السوسيين، وقلما يبرع أحدهم في أحدهِما إلا وبرع في الآخر، والفرائض جزء من الفقه، يشملها كل ما ذكرناه عن الفقه، وإنَّما أفردناها لأننا نرى للسوسيين نَحوها التفاتا خاصا، ربّما كان عند بعض الأفراد أحظى من غيره؛ ولذلك لَم يدب إليه الضعف الذي ذكرناه عن الفقه مُنذ ولى صدر القرن الماضي، فأدركنا منه ازدهارا في كل المدارس السوسية في جَميع الْجهات، ولكون السوسيين يولعون به كثيرا، كان بعض الْحُذاق الحضريين يسميه: علم السوسيين، وقد عرفنا أناسا امتازوا في الأدوار العلمية السوسية بالوصف به على الخصوص، وألفوا فيه؛ كعلي بن أحمد الرسْموكي الذي شرح (فرائض ابن ميمون) كما له مؤلف آخر رأيناه، وكأحمد بن سليمان الرسْموكي الفرضي المولع بِهذا الفن، فألف فيه مؤلفات شتى جَمعت فأوعت، وهُناك بعضهم ألف فيه بالشلحة، فترى الأميين يُحاولون بواسطته مُناظرة الفقهاء في تصحيح المسائل، وقد وضع به لَهم هذا الفن الجليل على طرف الثُّمَام، وكيبورك شارح (فرائض المختصر) وقد عرف أبو القاسم التيفنوتي نزيل درعة بالسرعة باستخراج المتطلب من تصحيح مسائل الفن، وكذلك عرفنا من المعتنين بالتأليف في الحساب إبراهيم الزنتلي السملالي من أهل التاسع، صاحب الأرجوزة المشهورة بسوس، وقد ذيلها أبو فارس الرسْموكي، فشرح الأصل علي بن أحمد الرسْموكي، ثم ذيلها أيضا أحمد بن سليمان الفرضي، فشرح الأصل مع ذيله بشروح متعددة، ولَم يزل هذان الفنان يعتنى بِهما، يدرسان في الرمضانات خاصة بعمل تصحيح المسائل، حتى أدركنا من المشيخة الِمتقنيها البارعين فيما عمر الإجضييي التملي، وإبراهيم (بيرعمَان) الساحلي، ومُحمد بن علي إجيج، ومُحمد بن مسعود الذي له فيه مؤلف، وآخرين لَهم شفوف تام في ذلك -ولا يزال أناس أحياء إلى الآن من البارعين فيه، وأمَّا المشاركة بين هذين الفنين وبين الفنون الأخرى؛ فإن النادر كل الندور أن تَجد خاليا منها، والمقصود بالْمُشاركة استحضار كيفية تصحيح المسائل على ذهنه بديهة، ويستوعب الشاذ من غيره، وقد تَمرن على العمل كل التمرن، وإنَّما يفوته ما يحظى به الماهرون من الاستبحار في مسائل الفن ودقائقه التي قلما يَحتاج إليها إلا في مثل المناسخات المتشعبة، وإن كان فيهم أجمعين كل ذلك عن نظر لا بديهيا، متى دعت إليه الحاجة. هذا ما أقصده بالمشاركة، وذلك هو