للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَم يزل هذا الفن في علوه مع تفاوت مراتب علوه، إلى أن مضى الربع الأول من القرن الماضي، فظهر لنا أنه بدأ يتقلص منه ذلك الاستبحار الذي نراه في الهوزيويين والحضيكيين ومن قبلهم، فلا نرى براعة إلا في أفراد غير كثيرين بالنسبة إلى من قبلهم، فتأخر بذلك سير هذا الفن عن الفنون العربية التي لَم تكن مرتبتها مائلة إلى الإسفاف بعد، وقد أدركنا من الجيل الذي عرفناه عدم إمعان كثير في هذا الفن، بِحيث يساوي مرتبة إمعانَهم في العلوم اللغوية العربية إلا عند الأدوزيين أو الجشتيميين، أو عند الأستاذ البونعماني ابن مسعود، فهؤلاء لا يزالون مكبين على فن الفقه، ويستحضرون كل ما في المعيار القديم، بله ما كتب في النوازل الأخرى في سوس، من فتاوي السوسيين المجموعة وغيرها، وأما غيرهم فيقتصر على ما هو أدون من ذلك بكثير، حتى أن فتاويهم لا تعدو نصوصها التي ينقلونَها ما في التسولي وما في التحفة والزقاقية والعمل، ومتن المختصر، وبعض شروحه، ولا نرى ذلك التوسع الذي نراه عند أولئك الذين نَجدهم يدعمون فتاويهم بنصوص مستقاة من المعيار والزرقاني وحواشيه، ثم يردفون ذلك بأصول مذهبية، يستشهدون فيها بكلام القرافي وصاحب المنهج وكلام مذيله، والشروح التي عليهما، وقد يتوسعون إلى سوق القواعد الأصولية العامة، حتى أننا رأينا لبعضهم فتيا واحدة على هذا المنهج الموسع خرج مؤلفا خاصا (١)، وما أكثر أمثال هذه المؤلفات عند من ذكرناهم من الأدوزيين والجشتيميين والبونعماني.

هذا هو الذي أدركناه، ثُم لَم تنشب طبقة الفقهاء الفطاحل الذين كانوا تيجان سوس الفقهية أن درجوا، فلم يَبق الآن وراءهم مِمن يُمكن أن يسدوا مسدهم إلا القليل جدا جدا، وإن كان لا يزال هنا وهناك من لَهم استبصار بالفن، ويعرفون كيف النزع في قسيه، ولكن الدراسة الفقهية اليوم من سوس في الغرغرة، كما وقع لغير هذا الفن، لإقفار المدارٍس، وانطواء الْهِمم، وفتور العزائم، لِما دبَّ إلى مَجموع قوى الأمة المغلوبة من الانْحلال تَحت هذا الاحتلال (٢).


(١) لابن الطيفور الساموجني في رده على أبي العباس الجشتمي في مسألة الرهن يوجد فيما جمعناه في (المجموعة الفقهية) وهي مخطوطة.
(٢) نعم بعد ما تأسس المعهد في تارودانت يرجى الانبعاث في سوس إن شاء الله.

<<  <   >  >>