للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لسانه بِجهر بين السامعين يَحتاج إلى هذه الثلاثة كلها، وإلى المرونة التامة فيها.

أمَّا التآليف في اللغة عند السوسيين؛ فلم أستحضر الآن من آثارها إلا ما ذكر من حاشية لأبي فارس الرسموكي على الصحاح الجوهري (١)، ولكن هناك مؤلفات تدل على التمكن في هذا الفن، كشرح المقصورة المكودية للتازولتي التملي، وشرح المقصورة الدريدية للأسغركيسي الهشتوكي، وشرح الشمقمقية لأبي فارس الأدوزي قبل أن يظهر شرح ابن خالد الناصري، وشرح العبدونية أطلعنا على مفتتحه لِموسى الودريمي، وشرح الرسالة الزيدونية، وبعض قصائد المعلقات السبع لأبي فارس المذكور، وأمثال هذه لا يتصدى لَها إلا لغوي أو أديب ماهر كبير، وسيرى القارئ في مَبحث الأدب كتبا تدرس فتكون مادة كثيرة للألفاظ اللغوية للمعتنين بِها، كما أنه سيرى من آثار أولئك الأدباء ما يدل على ما ذكرناه من التمكن فيما يدل على ما ذكرناه من التضلع في اللغة، حتى إنهم ليتلاعبون بِها كأنهم من أبناء الشيخ والقيصوم، ومن حرشة الضباب في الصحراء، وهذه قصائد سوسية كثيرة تُتلى في مثل مجمع الإلغيين، فلا يتوقفون في أية كلمة، على حين أن غيرهم إن سَمعها فكثيرا ما يتوقف، ثم لا يستحي أن يقر بِجهله إن أنصف، وإنَّما يدرأ عنه عيب نفسه بالجهل بأن السوسيين مولعون بالألفاظ الحوشية.

إذا محاسنِيَّ اللاتي أدلُّ بِها ... كانت مساوِي فقل لي: كيف أعتذر؟

ثُم إذا قرأ الألفاظ الذي لا يعرفها من كلام شوقي أو عبد العزيز البشري أو شكيب أرسلان يبتلعها، ثُم لا يقابلهم بِما عسى أن يقابل به السوسي المسكين الذي تضلع من اللغة حتى صارت تفيض من أسلات يراعه بشعور أو بلا شعور، فهل هذا من الإنصاف؟

[٩ - البيان:]

إن فن البيان والأدب كنتيجة للثلاثة المتقدمة قبلهما، وكزبدة تنتج عنها ولذلك لا نعجب إن رأينا عن كثيرين من أساتذتِهم عندما يترجمونَهم أنَّهم بيانيون، أو أنَّهم أدباء، ولكن لا نَخفي عن القارئ أننا لا نقدر أن نَحكم على كل نَحوي تصريفي لغوي بأنه بياني؛ لأن البيان وإن قلنا أنه كنتيجة عن تلك


(١) ذكر ذلك عن أحد الأدوزيين، وهو المحفوظ الأدوزي الثقة، وقي أنه رآها.

<<  <   >  >>