هذا الفن لازم لفن الحديث المتقدم، فتزدهر بازدهاره، وتضعف بضعف الاعتناء به، وقد رأينا شروحا على متونه ومنظومات منه حين ازدهاره بين السوسيين، فهناك منظومة (نُخبة الفكر) لِمُحمد بن سعيد القاضي العباسي، ونظم (النقاية) التي تَجمع فنونا منها هذا الفن لِمحمد بن الحسن الأمانوزي الأديب، وشرح (الطرفة) في الاصطلاح للحضيجي وغير ذلك، مِمَّا لَم نستحضره الآن، وهناك ترجمة (الأربعين النووية)، و (رياض الصالِحين) للنووي أيضا للإلغيين إلى الشلحة.
[٦ - النحو. ٧ - التصريف. ٨ - اللغة:]
العلوم التي يعتني بِها السوسيون كانت كلها أذنابا في أنظارهم لعلم اللغة العربية لِمكانتهم من العجمة، ولا مُفتاح لِهذه العلوم إلا إذا دخلوا من هذا الباب؛ ليمكن لَهم بِها أن يتفهموا ما يريدون، وقد قال قائلهم في ذلك -فيما سمعت- وتنسب لِمحمد بن يَحيى الأصاريفي:
العلم شيء حسن ... فكن له ذا طلب
بالنحو فابتدئ وخذ ... من بعده في الأدب
وإن أردت بعد ذا ... جاها ونيل المطلب
فافهم أصول مالك ... واحفظ فروع المذهب
وهذا ظاهر لا بد منه لكل السوسيين بطبيعة الْحَال؛ لِكونِهم أجانب عن لغة الضاد، ولكنهم لا يكادون يتذوقون حلاوة أساليب اللغة حتى يبقوا دائمين على مزاولتها شغفا بِها على حد قول القائل:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبا خاليا فتمكنا
وحين تكون اللغة والنحو والتصريف أول ما يسبق إلى أذواقهم، قلما ينسونَها، وإن شاركوا في غيرها، فيعضون عليها بالنواجذ ويكبون على تحصيلها والزيادة فيها، ثم بِمقدار إكبابِهم عليها تتزحزح العجمة عن ألسنتهم، وتتمكن روح الأساليب العربية في أذواقهم، حتى تأخذهم نعرة ربما تكون شديدة للعربية، كأنها إرث أجدادهم، وحتى يكادوا يَمرقون من