للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مساليخهم حنقا على من يلمزهم بالتقصير فيها، وفي دار الجرسيفي (١) على الفاسي أعظم دليل على هذا كما يوجد أيضا مثال آخر في مرادة شعرية وقعت بين المراكشيين وبين أبي فارس الرسموكي، ومُحمد بن سعيد العباسي وحلبتهما، فقد اشمأز هؤلاء حين أرسل إليهم المراكشيون أسئلة منظومة على قواف متعددة، فقالوا لَهم أجيبونا بالنثر، إن استعصى عليكم النظم، فتبادروا زمرا يُجيبون كلهم تلك القوافي المختلفة بِما لا يقل عنها أحكاما، فيجيب كل واحد على حدة (٢)، ومثل هذه الحمية مَحمودة ما دامت في دائرة التنافس المحوط بأدب الخطاب.

للسوسيين طريقة معبدة منظمة في تعليم اللغة والنحو والتصريف، فمن سلكها منهم يضمن له الفوز، وما ذلك إلا لأنَّهم أتقنوا هذه الفنون الثلاثة إتقانا، ولشدة حرصهم عليها، ولأنَّهم كلا شيء في الميدان العلمي إن كانوا في هذه مقصرين، وقد أثنى اليوسي على الطريقة التي يسلكونَها في التصريف في فهرسته (٣) عندما ذكر شيخه أبا فارس الرسْموكي، وكذلك شهد لَهم محمد العالِم بالتفوق (٤)، وما لنا نذهب إلى البعيد وما في القريب يكفي، فقد أدركنا هذا الجيل الذي انقرض بسنوات (١٣٤٩هـ)، ويعلم كل مطلع منصف أن العناية التي تلقاها هذه الفنون الثلاثة في جنوبي الأطلس، لا تلقاها في شماليه، من غير أن نستثني إلا أفرادا ينبغون بأنفسهم، وأما مَجالس الدراسة فلا، فقد أدركنا التسهيل، بل والكافية، مما يدرس عند الأدوزيين وغيرهم وما أكثر شروحهما هناك مَخطوطة، وعرفنا أناسا حفظوا منها أو حفظوها كلها، ثم لا يقرءون الألفية في الصفوف العليا إلا بالأشموني والصبان والموضح بِحواشيه تتبعا، والأساتذة يكون على ألسنتهم بلا مراجعة كل شواهدها، وكل القواعد التي تتعلق بالدرس فقد كان الحاج عابد البوشواري الهشتوكي على هذا النمط (٥)، فقس كل هذا بِما كان معروفا في شمالي الأطلس قبل النظام الأخير، من كون الغالب الذي يَجب أن يتعالى إلى مثل هذه المنزلة، إنَّما هو نصابي فقط، يَملأ دلاءه بكثرة مُطالعة، ثم إذا صب


(١) نشرناه في كتاب (المعسول) في الفصل الثاني من القسم الرابع).
(٢) يوجد في (جوف الفرا) الذي جمعنا فيه بقايا أدبيات مما لم يدخل في المؤلفات الأخرى كما أن هناك (مجموعة فقهية) في الآثار الفقهية: حشرنا فيها ما لا يوافق أذواق الأدباء.
(٣) الحضيجي.
(٤) (نفحات الشباب) مخطوط.
(٥) حدثنا بذلك الشيخ سيدي الطاهر الأفراني، وتعجب من كثرة استحضاره لكل شواهد النحو خصوصًا ما في الأشموني، حتى لا يشذ عنه منها شاهد واحد.

<<  <   >  >>