ما يسود حتى على أقراننا اليوم، وكثيرا ما يقولون: من لَم يستطع تَحرير مسألة من المناسخات بديهة في وسط السوق، وهو يقايض في بضاعته؛ فإنه لا يستحق أن يكون مِمن يَحملون اسم الفرضي.
[١٥ - الهيئة:]
نعني بالْهَيئة: كل ما يتعلق بعلوم الأفق؛ من علم تتبع سير النجوم، وعلم ما يُعرف به ذلك من الآلات، كالإسطرلاب والربع ونَحوهما، وعلم التوقيت، وعلم الرخاميات، وما إلى كل ذلك مِمَّا هو معروف قبل العصر الحديث، وقد كان للسوسيين يد طولى في هذا الفن الجليل، فكان عبد الرحمن بن عمرو البعقيلي الذي لقبه أحمد الذهبي بالجرادي -لِحكاية- آية في كل ما يئول إلى هذه الناحية، وهو صاحب (قطف الأنوار من روضة الأزهار) وشرح على (السيَّارة)، وهو فذ في عصره، لا يوجد له في براعته في هذا العلم من مثيل، وللرداني ابن سليمان نزيل الحجاز ومدفون دمشق في هذا الفن مهارة أدته إلى اختراع له فيه ارتفع به مقامه بين المخترعين في الإسلام؛ كما لأحمد الولتي الطاطائي المؤقت في الْحَمراء براعة فيه أيضا، وأحمد بن عبد الله بن يعقوب السملالي الذي ألف فيه مؤلفا، وكذلك ابن سعيد الميرغيتي صاحب (المقنع)، كما كان لأحمد ابن الشيخ الحضيكي بِهذا العلم اعتناء كبير يدرسه للتلاميذ، ومن قديم كان لسعيد الكرَّامي فيه ولأهله يد، خلدت فيه بالتأليف ما خلدت، ويظهر أن الاعتناء بِهذا الفن لَم تتصل حلقاته؛ فقد أدركنا الجيل الذي قبلنا يَجهل جلهم هذا الفن، إلا ما في المقنع لا غير، مع أن آلاته من الإسطرلابات والأرباع موجودة عند الأزاريفيين والإجراريين وغيرهم، فكان وجدانها سبب أن اعتنى به بعض الإجراريين المتأخرين حتى حوول أخذ الفن أيضا عن الأستاذ ابن مبارك الغيغَائي، أو من فاس، فأبقيت بذلك صبابة عند السوسيين إلى الآن، ومؤقت البيضاء (١) الحالي من آثار هذه الصبابة، وكان لابن العربي الأدوزي اهتمام بِهذا الفن، فزاول علم الرخاميات، ثم انتهى ذلك الدور إلى الأستاذ المؤرخ مُحمد بن أحمد الإجراري وآله.
ثم رأينا اليوم في تزنيت من بين تلاميذ قطبي هذا الفن: الأستاذ العلمي الفاسي، والأستاذ ابن عبد الرزاق المراكشي، بعض السوسيين،