للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خَمسة وأربعين عاما، لَم ينقض له حكم، ولَم ترد عليه فتوى، إلا تَحلة للقسم مع قلة ذلك جدّا في معاصريه، إلى كثيرين من معاصريهم.

هكذا كان فقهاء سوس، طبقا عن طبق، فإنَّهم لكثرتِهم ينبغ منهم أناس كمثل هؤلاء الذين ذكرنا بعضهم، فيكون لَهم شفوف عجيب في كل جيل، فدحضت بذلك مقالة عبد الله بن عمر المغضري الذي صدرت منه أواسط العاشر، وهو الذي قالَها بعد رجوعه من سوس إثر زيارته لِمحمد الشيخ السعدي إذ قيل له: كيف رأيت السوسيين؟ فكان مما قال: وفقهاؤهم ضعاف الفتاوي، فإن كان صادقا- وهو الظن به- فيمن أدركهم ورآهم؛ فقد تبدل الْحَال (١) عن ذلك، تَحت ظلال أواسط الدولة السعدية، ثم في عهد الدويلة التازروالتية، ثُم في عصر الدولة العلية العلوية، وكل من له اطلاع يعلم أن هذا الفن في المغرب كله، كان دائما بين مد وجزر، فكأن هذا الوصف، إن أردنا التدقيق مِما ينسحب أيضا على سوس الفقهية؛ لأنَّها دائما عضو من جسد المغرب الملتحم في الدراسة، فالقطب هو فاس ثُم الْحَمْراء، ومنهما تستقي كل طبقة طبقة، فمتى علت الدراسة هناك علت في الأطراف، وإن حدث فيها تأخر سرى التأخر في مَجموع المغرب، لا جميعه (٢)؛ لأنه ربّما يكون في الأطراف أحيانا كفلتة من هو أعلى وأسنى مِمن في مَجالس فاس والْحَمراء؛ كما قد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر.

ذلك ما يظهر لنا حول دراستنا للموضوع في القطر السوسي، فقد تراءى لنا أن هذا الفن وإن كان دائما يكب على تعاطيه وتفهمه غاية الإكباب، لَم يكن دائما في مستوى واحد، كما نرى مثل هذا عينه في فاس والْحَمراء، فيكون تأثر الأطراف مِما يقع منهما، وربّما يكون لَها تفوق عليهما على قلة ذلك في بعض الفترات، يقع كل ذلك مع عدم انقطاع البعثات السوسية إليهما وإلى (تامكروت) من الحادي عشر، بل وإلى الأزهر أحيانا من قديم.


(١) أن أول من قال أن حال السوسيين تبدل هو التامانارتي في (فوائده) بعد ما حكى هذه القولة.
(٢) رد الكرسيفي على الفاسي وهو منشور في (المعسول) وفي عرض جسوس علامة فاس ما كتبه على المختصر على العلامة الهلالي السجلماسي البدوي دليل لذلك، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء (مقدمة ديوان محمد بن صالح الروداني) مخطوط، وقد نشرت هذه المقدمة في ترجمة محمد بن صالح بين مشيخة أبي زيد الجشتمي في (القسم الثالث) من المعسول.

<<  <   >  >>