للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخيرا أكفكف القلم، فقد كدت أتَجاوز الإيجاز في وصف هذه النهضة الكبيرة التي بلغت أشدها ما بين (١٢٦٩هـ) وبين (١٣٥٢هـ)، ثُمَّ وقف دولابَها إلا نادرا بعد الاحتلال؛ لتبلبل الأفكار، ولكون الحال يقتضي أن يشتغل كل واحد بِخويصة نفسه، فأدَّى إلى إقفال النادي الإلغي، فكاد ينتهي في إلغ كل شيء، لولا خطرات تسنح، فتتفجر بِها القرائح، وقد كانت بونعمان وأدوز انتهى منهما قبل ذلك هذا الفن أيضا فوجبت شمس الأدب السوسي بذلك في مدارس شتى، وذبل زهره إلا بقايا هنا وهناك لذهاب البواعث، ولا يدوم إلا الله، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، فلم يبق إلا دور تسجيل ذلك (١) لئلا يَجرفه النسيان، فهذا ما تعزم عليه منَّا الْهِمَّة إن شاء الله.

فلنذكر بعض أشعار ورسائل عن هذا الطور أيضا؛ اتِّبَاعا لِمَا كُنَّا نصنعه في كل الأطوار المتقدمة، ولا نتعدى غاية الإيجاز، وإلا فإن الموضوع زاخر الآثار جدّا، ونَحن جد حريصين على جَمع شتاتِها في كل ما يَجول فيه يراعنا، مِمَّا نَجمعه في هذا المنفى، فنزجي به الآن الوقت في هذه العزلة الجبرية، ولنختر ما يوافق أذواق اليوم في الجملة؛ لأن في جل ما في آثار هذا العهد ما تنبو عنه أسْمَاع كثيرين مِمَّن مازج الأدب الحديث أذواقهم، وإن كانت له روعة ما في تلك البيئة إذ ذاك؛ لأن هذه النهضة الأدبية السوسية، وإن كانت بنت هذا العصر، هي بِمعزل تام عن الأدب الحديث، وقد ضرب ما بينهما بسور من حديد، حتى لَم يكن لأسلاكهما أدْنَى اتِّصَال إلا من سنوات قليلة جدّا (٢)، ولِهذه الحيثية مكانتها عند من يريد أن يبحث تَحت ضوئها في آثار هذا الطور إن كان من المنصفين، وكان من الذين يراعون المشقة العظيمة التي تكون أمام المتأدب السوسي العجمي قبل أن يتذوق الأسلوب العربي في سماوات فصاحته ومُحيط بلاغته.

قال الأديب أبو العباس الجشتيمي في المولى عبد الرحمن العلوي من قصيدة ليس عندنا منها إلا ما نسوقه مطلعها:

اُحْدُ النياق بذكرهم يا حادي فالذكر عنهم سلسبيل الصادي (٣)


(١)
كنا كتبنا هذا وقت العزم، وها نحن أولاء بفضل الله نكاد نتم تسجيل ذلك كله، فلم يبق إلا إخراجه للقراء إن شاء الله بالطبع جزءًا جزءًا.
(٢) نقول هذا سنة: ١٣٥٨هـ، لكن الحالة تغيرت كثيرًا بعد ذلك.
(٣) الصادي: العطشان.

<<  <   >  >>