للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قديما وحديثا (١)، ولا يزال أحياء إلى الآن من كانوا من العلماء (٢) رأسوا- قبل الاحتلال- الرياسة الأدبية بعلمهم، فقادوا الجيوش، ودبروا الأمور، وتصدروا المجامع، وساسوا الرعية، وقد كانوا كثيرين قبل (١٣٥٢هـ)؛ وما ذاك إلا لأنَّهم استولوا على النواصي بقيامهم بِمَا هُو ملقى على كواهلهم، فأرشدوا العامة، وعلموا الْخَاصة، وترفعوا عن الدنايا، وقد غلب عليهم التعالي عن السفاسف، حتى صار من ليس ذلك مرتكزا فيه يتظاهر به حفظا لناموسه العلمي، ثم هُم مع ذلك لا يَخرجون غالبا عن الاقتصاد في كل شيء؛ في الملبس، والمأكل، والمشرب، والتعالي، بل يغلب عليهم التواضع والتصوف، حتى ليمعن في ذلك بعض الأجلاء منهم إمعانا يَخدش فيه؛ لأن الأنانية المصطعنة هي التواضع الزائف، ولا ريبَ أن ذلك التواضع الْخَالص، مِمَّا يزيدهم تَمكنا عند الناس.

تلك مرتبة العالِم الجزولي، وذلك هو مقام الفقيه السوسي، فإنه يَجد من المنشطات من خطوته الأولى إلى المعارف، ما يُحفزه حتى يتوقل الذروة من كل مَجد، إن قدر له أن يكون من الأمْجَاد، ثم إنه مع ذلك كله لا ينسى أن يؤدي للعلم حقه، من التحقيق والتدقيق، بِما في إمكان فقهاء البادية، ثُم هُم مع ذلك ينصفون من يرون لَهم عليهم مزية، وأدركوا أن لَهم عليهم تفوقا، فيقفون عند رأيهم في نازلة تَختلف فيها الأنظار، وربما رفعوها إلى الحواضر؛ ليتيقنوا الْحَق من غيره، وفي رد الـچـرسيفي (٣) أواسط القرن الثاني عشر ما يصرح بذلك الصراحة المتناهية.

إن الطبع السوسي سريع التطور في كل ميدان دخله، فكما أنه استحال الرجل العامل السوسي بين عشية وضحاها في هذا العصر تاجرا مزاحما لغيره من الفاسيين والإسرائليين والأجانب، كذلك كان في الميدان العلمي منذ دخله بِجد وولوع في القرن التاسع، فإنه قد يتكشف عن بحاثة رحالة باقعة، وهل عرفت من هو أبو موسى الجزولي، وابن الوقاد الرداني، وأبو يحيى الجرسيفي، ومُحمد بن إبراهيم الشيخ، وأحمد التِّيزرْكِيني، وابن سليمان الرداني، وأبو مهدي السكتاني، وعبد الله الووكدمتي، والعباسي، والحيضجي، ومُحمد بن سعيد المرغيتي، وعبد الله السكتاني المسكالي، وأحمد البوسعيدي، والهشتوكي أحْوزِي، وعشرات فعشرات


(١) رحلة النقيب المكناسي إلى سوس (مخطوطة).
(٢) كالعلامة الطاهر الأفراني وأمثاله (كتب هذا ١٣٥٧هـ، قبل أن يتوفى).
(٢) رسالة أدبية كأنها رسالة ابن زيدون عن ولادة المشهورة نشرت في الفصل الثاني من (القسم الخامس) من (المعسول) عند ذكر الجرسيفيين وتحتوي على جواب رسالة فاسي يلمز فيها السوسيين بأمور مسفة ومثار الرسالة قضية فقهية تجاذبوها.

<<  <   >  >>